الركائز الثلاث للخطة الوطنية لمكافحة الفساد

 

 

أصبحت ظاهرة الفساد تُشكل نمطاً للحياة منتشراً على كافة الأراضي اللبنانية، وتمس بشكل مباشر القطاعين العام والخاص حيث ان استغلال الوظيفة العامة لتحقيق المصالح الخاصة يؤدي إلى زعزعة ثقة الشعب بهيكلية الدولة وتخفيض الواردات الضريبية ويؤثر تبعاً لذلك على فعالية السياسات العامة للقطاعات كافة وخاصة الصحة والتربية والمساعدات الإجتماعية.

لقد بدأ لبنان جدياً بخوض معركة مكافحة الفساد من خلال التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في العام 2009 . ومنذ ذلك التاريخ، أخذ هذا الموضوع حيزاً جوهريّاً على الساحة السياسية ولدى الرأي العام اللبناني. وفي هذا السياق، أنشأ رئيس الحكومة عام 2011 لجنة وزارية لمكافحة الفساد (anti-corruption ministerial committee) تضم وزارات المالية، الداخلية، العدل والتنمية الإدارية، ويؤازر هذه اللجنة الوزارية اللجنة الفنية لمكافحة الفساد (anti-corruption technical committee) التي تضم بدورها رؤساء هيئة التفتيش القضائي، المجلس التأديبي، مجلس الخدمة المدنية وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وخبراء من وزارات المالية، العدل والداخلية.

لقد تبنت هذه اللجان عام 2018 المشروع الوطني لمكافحة الفساد والمخطط التنفيذي ” 2018 – 2023 ”

كما وتقوم هيئات معنيّة بمكافحة الفساد بموازاة هذه اللجان وهي: النيابة العامة، جهاز التفتيش المركزي، المجلس التأديبي المسؤول عن العاملين في الخدمة المدنية، هيئة التفتيش القضائي وديوان المحاسبة. وبموجب القانون رقم 32 الصادر في العام 2008، توسّعت صلاحية هيئة التحقيق الخاصة، وهي “وحدة الإستخبارات المالية في مصرف لبنان”، بحيث يحق لها حصرياً تجميد الحسابات المصرفية ورفع السرية المصرفية عملاً بالإتفاقيات والقوانين المطبقة بشأن مكافحة الفساد.

إلا أنه وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في هذا المجال، فإن نتائج سياسة مكافحة الفساد بقيت محدودة. وعليه، يجب تغيير الإستراتيجية المُتّبعة في هذا المجال وذلك عبر الإستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل هونغ كونغ، جورجيا، رواندا وغيرها من دول أميركا الوسطى.

إذ أنّ تجارب هذه الدول، برهنت بأن سياسة مكافحة الفساد يجب أن تُبنى على الركائز الثلاث التالية: رغبة سياسية على أعلى المستويات داخل الدولة، تأسيس “هيئة وطنية لمكافحة الفساد”، ووضع استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على الردع، الوقاية والتربية.

أولاً، على الصعيد السياسي: من الواضح أنّ مكافحة الفساد تُشكّل اليوم أولوية مطلقة عند السلطات العليا في الدولة، وبشكل خاص عند رئيس الجمهورية، مثلها مثل النهوض الإقتصادي وعودة النازحين السوريين إلى بلدهم.

ثانياً، على الصعيد المؤسساتي: لا توجد مؤسسة مركزية لمكافحة الفساد في لبنان من حيث أحكام المادة 36 من اتفاقية الأمم المتحدة. وإن تجزئة الصلاحيات بين أكثر من جهاز إداري وقضائي لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة في بلد مبني على أسس طائفية ومذهبية تمنع أي اصلاح جذري للسلطة القضائية في المدى المنظور.

وفي هذه الظروف وبناءً على تلك المعطيات، فإن الحل السريع والفعال هو إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد(Lebanese Agency Against Corruption, “LAAC”) مستقلة إدارياً ومالياً، تعمل تحت الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية، وتصدر تقارير سنوية تُرفع إلى مجلس الوزراء الذي يحتفظ بصلاحية مراقبة أعمال هذه الأخيرة واتخاذ الاجراءات الكفيلة بالمعالجة .

وتتضمن مهام هذه اللجنة، تحديد وتنسيق وتنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة الفساد وتحريك الرأي العام ووسائل الإعلام في هذا المجال.

تتألف هذه الهيئة من ثلاث إدارات منفصلة:

– إدارة التحرّي والتحقيق.

– إدارة الوقاية المولجة بتدقيق سير عمل وأداء الإدارات العامة، واقتراح توصيات من أجل الحدّ من مخاطر الفساد.

– إدارة العلاقات العامة الموكل إليها مهام توعية المواطن ووسائل الإعلام، والحصول على تأييدهم في تطبيق سياسة مكافحة الفساد.

وبدورها تضم هذه الإدارات خبراء في المجالات القانونية والاقتصادية والمالية والاعلامية ولها الحق بالاستعانة بخبراء من الخارج في المجالات كافة.

ثالثاً، إن مهام هذه الهيئة هي وضع استراتيجية شاملة ترتكز على خمسة محاور:

1- سياسة توعية هدفها توضيح الأشكال المختلفة للفساد وتبيان آثارها الإجتماعية والإقتصادية على البلد والتي يمكن تنفيذها عبر العمل التربوي، الذي يتجلى بإدخال مقررات عن الفساد في مناهج التعليم، وعبر إطلاق حملات إعلانية في وسائل الإعلام.

2- سياسة التوظيف في الإدارات العامة مبنية على معايير الكفاءة والخبرة.

3- سياسة الشفافية والوصول إلى المعلومات المتعلقة بكافة السياسات العامة والمشاريع الإستثمارية التي تدخل بها الدولة.

4- السياسة التكنولوجية من خلال اعتماد الحكومة الإلكترونية ” e-government ” والمتابعة عبر وسائل الإنترنت لعملية إجراء المناقصات وتطبيق المشاريع الإستثمارية.

5- سياسة تشريعية أكثر تأقلماً مع التحديات التي تواجه مكافحة ظاهرة الفساد. ويشمل الإطار القانوني اللبناني لمكافحة الفساد أحكاماً من قانون العقوبات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون رقم 318/2001 المعدل عامي 2003 و 2008 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال ومكافحة الفساد ونظام مجلس الخدمة المدنية والموظفين العموميين، وقانون العمل، والقانون رقم 154/1999 المتعلق بالإثراء غير المشروع والذي بموجبه يلزم أي موظف قائم بخدمة عامة والقاضي بأن يصرحا عن أملاكهما المنقولة وغير المنقولة عند دخولهم وخروجهم من عملهم.

بشكل عام، إن التشريعات القانونية اللبنانية في هذا المجال، تعاقب الراشي والمرتشي سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معنويين، وذلك في حالات مختلفة من الفساد. إلا أن تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة من قِبل الدولة اللبنانية شابها الكثير من الثغرات، الأمر الذي يستدعي المشرع اللبناني إلى اتخاذ إجراءات تشريعية سريعة فيما يتعلق بالنقاط التالية:

1- التشريع الطارئ لقانون يؤمن حماية الشهود أو المبلّغين عن حالة فساد.

2- التشريع الضروري لرفع الحصانة عن كل موظف أو قائم بخدمة في القطاع العام في حالة ملاحقتهم بتهمة الفساد.

3- التشريع الفوري لرفع السرية المصرفية عن كل موظف أو قائم بخدمة في القطاع العام في حالة ملاحقتهم بتهمة الفساد.

4- التشريع الضروري بإلزام الأشخاص الذين سبق ذكرهم والذين ثبتت تهمة الفساد عليهم بإعادة الأموال التي حصلوا عليها جراء قيامهم بعمليات فساد.

5- التنفيذ الفعلي لقانون 154/1999 المتعلق بالإثراء غير المشروع

بواسطةد. حبيب القزي
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةالجيش الإسرائيلي يرفع درجة الاستنفار: شبعا وجبل الشيخ “عسكرية مغلقة
المقالة القادمةكنعان: إثنين ب واحد!