انتعشت العملة الإيرانية في التعاملات الصباحية، أمس الأحد، بعد تأكد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، إثر إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، متغلبا على الرئيس دونالد ترامب الذي شهدت فترة ولايته فرض عقوبات خانقة على إيران، في أعقاب انسحابه من الاتفاق النووي معها في مايو/ أيار 2018.
وكانت الأسواق الإيرانية خلال الشهرين الأخيرين في حالة تيه مستمرة، في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، مع استمرار تراجع المؤشرات الاقتصادية، ومواصلة الريال الإيراني نزيفه الحاد إلى مستويات قياسية، على خلفية العقوبات الأميركية التي اشتدت حدتها خلال الأيام التي سبقت إجراء الانتخابات، بعد فرض واشنطن إجراءات حظر جديدة على البنوك والقطاعين المالي والنفطي في إيران.
ومع ظهور أولى نتائج الانتخابات الأميركية فجر الخميس الماضي، وتقدم ترامب فيها، بدأت العملة الإيرانية تتراجع بشكل سريع، لتخسر المزيد من قيمتها وتهبط أمام الدولار الأميركي إلى نحو 300 ألف ريال في غضون ساعات قليلة، لكنها مع مواصلة عملية فرز الأصوات وخصوصا أصوات البريد، وتقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على ترامب، تغيرت المعادلة وبدأت قيمتها ترتفع.
وواصل الريال تحسنه خلال اليومين الماضيين، رغم إغلاق الأسواق يوم الجمعة في إيران، إلى أن استعاد نحو 16% من قيمته منذ الخميس الماضي، ليسجل، أمس نحو 258 ألف ريال مقابل الدولار في السوق الحر، لكنه سرعان ما واصل الانتعاش في التعاملات الصباحية، اليوم، ليصل إلى 240 ألف ريال بزيادة بلغت نسبتها 30% في غضون 3 أيام، مقتربا من مستويات يونيو/حزيران الماضي.
ويتوقع الخبراء أن الريال سيواصل تحسنه خلال الأيام المقبلة، وسط توقعات بأن ينزل سعر الصرف إلى نحو 200 ألف ريال. وكان لتحسن الريال الإيراني تأثير كبير أيضا على أسعار الذهب في إيران، ليتراجع سعر المسكوك الذهبي إلى أقل من 130 مليون ريال، وذلك بعدما ارتفع خلال الفترة الأخيرة إلى نحو 160 مليوناً.
ورغم أن الأسواق الإيرانية، تفاعلت سريعا مع نتائج الانتخابات الأميركية وتحسنت العملة الوطنية سريعا، لكن مراقبين وخبراء يرون أن هذا التحسن هو من الآثار النفسية العاجلة لارتفاع حظوظ بايدن في ظل توجهاته المغايرة لترامب، وأن تحسن الريال سيبقى موقتا ما لم يتم إسناده بعوامل اقتصادية متينة مثل تخفيف العقوبات أو إلغائها.
إلا أن إلغاء العقوبات أو تخفيفها مستبعد على المدى القريب، وفق المراقبين، وهو مرتبط باستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن، وما إذا كان الطرفان سيتوصلان خلالها، إن بدأت فعلا، إلى حل للقضايا العالقة بينهما بشكل يمهد الطريق لإنهاء استراتيجية الضغوط الاقتصادية القصوى التي دشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018.
وطاولت العقوبات الأميركية كافة مفاصل إيران الاقتصادية، بما فيها الصادرات النفطية وتعاملاتها المالية والمصرفية مع الخارج، لتواجه شحاً كبيراً في مواردها بالنقد الأجنبي، ما تسبب بسقوط الريال إلى مستويات قياسية خلال العامين الماضيين، بنسبة 800% منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد كشف، في وقت سابق، أنّ العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده، خفضت 200 مليار دولار من إيراداتها، قائلا: “نواجه في الوقت الحاضر أسوأ أنواع الحظر” الأميركي. وفاقم انتشار كورونا الواسع في إيران منذ فبراير/شباط الماضي، الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، نتيجة العقوبات الأميركية وسوء الأداء الاقتصادي للحكومة الإيرانية، لتودع البلاد عامها المالي السابق، في العشرين من مارس/آذار، بنمو اقتصادي سالب بنسبة 7.2%، وبتضخم بلغ 41.2% بحسب إعلان البنك المركزي الإيراني.
ووضعت هذه الأزمة الحكومة أمام عجز كبير في الموازنة الإيرانية للعام الحالي، ليصل إلى نحو 35% من حجم الموازنة البالغ أكثر من 500 تريليون ريال. وطيلة العامين الماضيين، نتيجة العقوبات الأميركية والتزام الدول بها رغم رفض الكثير منها لهذه العقوبات، لم تتمكن إيران من تصدير نفطها “ولو قطرة واحدة” بالطرق الرسمية، بحسب نائب الرئيس الإيراني، محمد باقر نوبخت.
لكن طهران لم تتوان عن الالتفاف على العقوبات الأميركية، وتمكنت من إفشال السياسة الأميركية لتصفير صادراتها النفطية، حيث كشفت وكالة “رويترز” يوم 28 سبتمبر/أيلول الماضي عن قفزة ملحوظة في صادرات النفط الإيرانية خلال هذا الشهر، والتي قدرتها بناء على بيانات من “تانكر تراكرز” وشركتين أخريين، بين 400 ألف إلى 1.5 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات، الأمر الذي يظهر قدرة طهران على الإفلات من قبضة الحظر الأميركي المشدد.
وقال روحاني في خطاب متلفز، أمس “لقد واجه شعبنا الإرهاب الاقتصادي على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وأظهر مقاومة وصبرا لا مثيل لهما.
وأبدى روحاني أمله في أن “يدرك أولئك الذين يفرضون العقوبات، أن مسارهم كان خاطئا، وأنهم لن يحققوا أهدافهم بأي شكل من الأشكال”. وسبق لبايدن أن أبدى خلال حملته الانتخابية، نيته خوض “مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية” مع إيران في حال فوزه بالرئاسة، وإمكان العودة للاتفاق النووي معها.