السباق غير العادل بين المؤسسات الضامنة والإنهيار

من غير المعروف على وجه التحديد كم أصبح الدولار الإستشفائي. عندما كان سعر الصرف يساوي 10 الآف ليرة، كانت المستشفيات تحتسب الدولار الطبي على 4000 ليرة. وقد وضعت نقابة المستشفيات آنذاك معادلة تفيد بان “كل زيادة في سعر صرف الدولار في السوق الموازية بقيمة 1000 ليرة، تزيد كلفة دولار الإستشفاء بقيمة 500 ليرة”. استناداً إلى هذه المعادلة، فان الدولار في المستشفيات يبلغ اليوم 8500 ليرة. وللتبسيط فان كلفة عمل طبي بقيمة مليون ليرة (أي 666 دولاراً سابقاً) تتراوح اليوم بين 4 و5.5 ملايين ليرة. في المقابل فان الجهات الضامنة الرسمية تغطي إلى حد 90 في المئة على سعر الصرف الرسمي. ما يعني أنها تسدد 900 ألف ليرة فقط من الفاتورة، وعلى المريض أن يتحمل الفرق.

هذا الواقع الذي لم يعد يُحتمل لما فيه من ظلم بحق الموظفين وعائلاتهم، دفع بتعاونية موظفي الدولة إلى زيادة التعرفة الطبية في المستشفيات الخاصة بنسبة 70 في المئة إبتداءً من اليوم. القرار الذي من المتوقع أن تتراوح كلفته على “التعاونية” لغاية نهاية العام بين 25 و30 مليار ليرة، ليس هو المشكلة، و”لن يموّل من رفع نسبة اشتراكات المنتسبين. ذلك أن الهدف من ورائه تخفيف العبء المترتب على المستفيدين من تقديمات التعاونية، وليس إرهاقهم وتحميلهم المزيد من الأعباء”، يقول مدير عام تعاونية موظفي الدولة د. يحيى خميس. “إنما العقبة الأساسية تتمثل بمدى إلتزام المستشفيات بهذا السقف، والتوقف عن استيفاء مبالغ إضافية من المضمونين”. خميس الذي لا ينفي الصعوبات التي تواجه المستشفيات، وارتفاع كلفة الخدمات الطبية، اعتبر أن “الفروقات التي تتقاضاها المستشفيات تزيد بشكل عام عن المعقول، وهي ترتفع إلى حد غير مبرر في بعض المستشفيات. وأن هذه الزيادة المقرة حديثاً بنسبة 70 في المئة هي أقصى ما تستطيع “التعاونية” تقديمه لتخفيف المعاناة على المضمونين من جهة، وشعوراً منها بواقع القطاع الصحي من جهة ثانية”.

على غرار مختلف الجهات الضامنة الرسمية تشكل مساهمة الدولة في تعاونية موظفي الدولة نسبة 6/7 من موازنتها، وتبلغ حوالى 317 مليار ليرة، في حين تشكل اشتراكات المنتسبين 1/7 من الموازنة. وعليه فان رفع موازنة التعاونية إلى حدود سقف التغطية الإستشفائية سيصطدم بعائقين: الأول، عدم القدرة على زيادة الإشتراكات على نحو 81 ألف مضمون يتسفيد من خلفهم 365 ألف شخص من التقديمات، قبل أي تغيير جدي في الرواتب والأجور. والثاني، عجز الدولة عن زيادة اشتراكاتها في ظل تراجع إيراداتها بأكثر من 8 في المئة واستمرار العجز الكبير في الموازنة. وفي حال تأمين هذه الزيادة من خلال طبع النقود، فستؤدي إلى المزيد من التضخم والإرتفاع في الأسعار، سيمتصان أي زيادة محققة.

“على المقلب الآخر تظهر صعوبة جديدة أمام التعاونية تتمثل في رفع الدعم عن جزء كبير من الأدوية. فالمؤسسة التي تغطي 75 في المئة من فاتورة الدواء لن تستطيع رفع هذه النسبة، بل أن هناك أصواتاً تطالب بتخفيضها” يقول خميس ومع هذا ما زلنا لغاية اللحظة محافظين على نسبة تغطية فواتير الدواء، ولكن نحضر لدراسة مفصلة لكلفة الأدوية والإعلان عن الأصناف التي يمكن الاستمرار بتغطيتها. خصوصاً تلك التي يتوفر بديل عنها أرخص ثمناً.

مأزق المؤسسات الضامنة الرسمية سيستمر طويلاً، ويتعقّد أكثر مع تفلت الدولار ورفع الدعم، وتحديداً عن الأدوية. ومئات الآلاف من المؤمنين صحياً سيصحون في يوم قريب على فقدان التغطية لقيمتها مهما حاولت المؤسسات الضامنة رفعها. والطبابة ستحصر بالأقلية التي تملك الدولارات الطازجة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةضريبة الدخل على سعر السوق: الفوضى مستمرة!
المقالة القادمةالتقرير الأولي عن حرائق عكار وجرود الهرمل