أقر مجلس النواب الاثنين الماضي، قانوناً مدّد بموجبه مهلة رفع السرية المصرفية المرتبطة بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات العامة لحين انتهاء التدقيق. هذا الأمر أثار حفيظة المؤيدين لضرورة إلغاء قانون السرية المصرفية برمته أولاً وأخيراً، اقتداءً بسائر الدول وأبرزها سويسرا التي قيدت السرية المصرفية وحصرتها بالسرية المهنية، ولكشف المستور عن الفاسدين واستعادة الأموال المهربة وغير الشرعية.
في حين يعتبر البعض أن الغاء قانون السرية المصرفية الصادر في 3/9/1956، هو مدخل لملاحقة وابتزاز أصحاب الرساميل، يرى البعض الآخر المتعطش لوضع حدّ للفساد واسترجاع الأموال المنهوبة والمحولة الى الخارج بعد تشرين 2019… أنه حان الوقت في ظلّ الأزمات التي نعيشها لإلغاء السرية المصرفية.
المحامي ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC ) كريم ضاهر أكد في حديث الى “نداء الوطن” أنه “لم يعد من الممكن اليوم استقطاب المستثمرين غير المقيمين، كما كان الوضع عليه قبل الأزمة، لذلك لم تعد السرية المصرفية تفيد الا الفاسدين في لبنان والمتهربين من الضريبة”، وعدا ذلك يعتبر أسباباً واهية اليوم في زمن الإنهيار، من هنا يشدّد على ضرورة رفع السرية المصرفية.
هل سيكشف المستور بدءاً من التحويلات الإستنسابية بعد تشرين 2019، وصولاً الى الأموال المهربة وغير الشرعية؟ في هذا السياق يعتبر ضاهر أنه بما أن “رفع قانون السرية المصرفية محصور بالتدقيق الجنائي وتحديداً مصرف لبنان والمؤسسات العامة، لن يكشف كل الحقائق، باعتبار ان سرقة المال العام قد تتم عن طريق أشخاص آخرين.
و شدّد على “ضرورة تتبّع الأموال العائدة للمصرفيين والماليين والسياسيين الذين تجاوزوا القوانين، عندها تحدّد الخسائر والمسؤوليات. بعد تحقيق هذا الإنجاز يأتي دور عامة المودعين والأفراد، فنحدّد تاريخ حدوث الإنهيار، وعلى أثره نسترد المبالغ التي تم تحصيلها والتي تتخطى النسب المعهودة”.
و يقول ضاهر”لا يمكن الكشف عما حصل في الماضي وتحديد المسؤوليات الا اذا رفعنا السرية المصرفية مع مفعول رجعي.
بدوره أكّد المحامي ورئيس منظمة “جوستيسيا” بول مرقص لـ”نداء الوطن” أن إلغاء السريّة المصرفية “سيساعد ويسهّل عمل القضاء في الكشف عن كل الأعمال غير الشرعية التي حصلت قبل وبعد 17 تشرين، ويساعد في تطبيق أحكام قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع، الذي أقرّه مجلس النواب عام 2020، وبموجب المادة 14 منه “يُعاقب بالحبس من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة تتراوح من 30 مرة إلى 200 مرة الحد الأدنى الرسمي للأجور كل من أقدم على ارتكاب جرم الإثراء غير المشروع”.
أما عن التداعيات المحتملة التي سيتركها الغاء قانون السرية المصرفية على السياسيين، فأشار مرقص الى “استخدام السياسيين السريّة المصرفية كتغطية للتحويلات والعمليات المصرفية والمالية التي قاموا بها خلال سنوات توليهم مناصبهم، ومن شأن رفعها كشف حركة الأموال التي قاموا بها، إلا أنه حتى مع إلغاء قانون السريّة المصرفية، يبقى ذلك من دون جدوى في ظلّ غياب قضاء قوي قادر على المحاسبة والوقوف بوجه كلّ الضغوطات التي يمارسها السياسيون يومياً.
وعن رفع السرية المصرفية لغايات انجاز التدقيق فقط أوضح مرقص ان ذلك يشمل فقط حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، من دون أن يذكر صراحةّ شمول المؤسسات المالية والمصرفية الخاصة، المشمولة بالمادة 152 من قانون النقد والتسليف، التي تحظّر على أي شخص في المصرف إفشاء السرّ المصرفي، فكان من الأفضل شمول هذه الفئة لتوسيع نطاق الإصلاح”.
أما ما يطلبه صندوق النقد الدولي في هذا السياق، فهو كما أكّد مرقص “القيام بمزيد من التقييد لقانون السريّة المصرفية وحتى إلغائه، بحيث لا يعود بالإمكان استخدامه كأداة لتغطية الفساد، وإفساح المجال بالتفاوض مع الصندوق بشكلّ شفاف وواضح، الأمر الذي يشكلّ مرحلة أساسية للنهوض بالوضع الاقتصاد المتردي الحالي في البلاد”.