إنتهت فترة حكم رياض سلامة كحاكم للبنك المركزي بعد 30 عاماً، حيث انتقد الكثيرون بشدة الإرث الذي تركه وراءه. وقال نائب الحاكم السابق ناصر السعيدي لـCNBC إن «خسارة المدخرات لأجيال من اللبنانيين» جزء من إرث سلامة.
وفشل لبنان في العثور على خليفة لسلامة، الذي كان محافظاً للبنك المركزي منذ عام 1993 وعمل في عهد 12 رئيساً للوزراء في ظلّ عدم الاستقرار السياسي.
وتولى نائب الحاكم الأول وسيم منصوري منصب الحاكم بشكل موقت، ويأمل سلامة خلال حديثه الى قناة CNBC «أن يكون خليفته ناجحاً».
وكان أصبح رفيق الحريري رئيساً للوزراء للمرة الأولى في العام 1992 وكلف سلامة لإعادة بناء الاقتصاد والقطاع المصرفي في البلاد بعد الحرب، لكن في ظل قيادته، انزلق لبنان في أزمة اقتصادية.
وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى أقل من 10 مليارات دولار، وقيمة العملة بنسبة نحو 98% مقابل الدولار، وألقي اللوم على سلامة نفسه في انهيار النظام المالي اللبناني، الذي قدرت خسائره بقيمة 70 مليار دولار.
وفي العام 2022، ألقى البنك الدولي باللوم على النخبة السياسية في البلاد في مخطط «بونزي للتمويل»، معتبراً أن الكساد كان «متعمداً في صنعه على مدار الثلاثين عاماً الماضية».
حتى أعضاء الحكومة الحالية أشاروا إلى أن الوقت قد حان للتغيير في البنك المركزي. في حزيران، قال وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام لشبكة CNBC إن سلامة كان رئيس مصرف لبنان المركزي «لفترة طويلة جداً». في غضون ذلك، قال سعيدي إن «سلامة- الذي يواجه مذكرات توقيف دولية ومزاعم بالتزوير- هو المسؤول عن الانهيار الاقتصادي للبلاد».
إنه مسؤول بشكل مباشر، في رأيي، عن إدارة السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف التي أدت إلى الانهيار الذي شهدناه.
مخطط بونزي
وقال سعيدي إنه تمّ تنفيذ مخطط بونزي بالفعل، حيث كان سلامة يحاول حماية الليرة اللبنانية ذات القيمة العالية للغاية، من خلال زيادة الاقتراض خصوصاً من البنوك، والمصارف، التي جلبت الودائع من المغتربين اللبنانيين في جميع أنحاء العالم.
ورغم هذه الاتهامات العديدة، ترك سلامة منصبه يوم الاثنين الماضي أمام حشد من المؤيدين المبتهجين، ما يدلّ على الانقسامات العميقة في المجتمع السياسي اللبناني والولاء للقيادة التي كانت في السلطة منذ نهاية الحرب الأهلية في البلاد.
وقال زعيم حزب «تقدّم» المعارض لوري هيتايان، لشبكة CNBC، إن لبنان يحكمه الإفلات من العقاب، لذلك من الطبيعي أن نرى رياض سلامة يغادر منصبه من دون أي سلطة تستجوبه أو تحاسبه.
لست مسؤولاً
وكان قال سلامة، الذي يواجه مذكرتي توقيف دوليتين ومزاعم بالتزوير، لشبكة CNBC: «ليس من الصحيح تحميلي المسؤولية المباشرة والمفردة» عن انهيار الاقتصاد اللبناني.
وأضاف: «سياسات الصرف تحدّدها الحكومة ومصرف لبنان يطبقها في كل حكومة منتخبة منذ 1993، وكان هدفها استقرار النقد».
وأشار سلامة إلى أن «الهدر والخسائر في قطاع الكهرباء» والإعانات وعدم الاستقرار السياسي و»تكلفة اللاجئين السوريين» كلها عوامل مساهمة في التدهور الاقتصادي في لبنان.
ركيزتان رئيسيّتان
واعتبر أنه لإعادة بناء اقتصاد لبنان ما بعد الحرب، والذي يعتمد إلى حد كبير على التحويلات، عرض سلامة معدلات فائدة عالية، وجذب الودائع من الشتات اللبناني الواسع، والذي يبلغ قرابة 14 مليوناً.
وفي العام 2016، أطلق سلامة عملية هندسة مالية جمعت بين الودائع بالعملة المحلية اللبنانية والدولار الأميركي، واجتذبت الاحتياطيات الأجنبية.
وكان سلامة أيضاً مهندس ربط العملة بالدولار في لبنان، والذي لا تزال البلاد تستخدمه حتى اليوم، ومع ذلك فإن الاقتصاد الآن يعمل في الغالب على نظام السوق السوداء بمعدلات متفاوتة، ويتم التعامل معه بالدولار إلى حد كبير بسبب الانخفاض الهائل في قيمة الليرة.
وقال المستشار السابق لوزير المالية اللبناني هنري شاوول لشبكة CNBC إن سلامة يتحمل «بشكل كبير» مسؤولية الانهيار الاقتصادي في البلاد. كان لديه القوة والالتزام بأن يقول «لا» لركيزتين رئيسيتين من أركان السياسة في العقود الماضية: ربط العملة وتنقيد الدين. وفشل في كليهما، مما أدى إلى انهيار كارثي للقطاع المالي. بصرف النظر عن جميع عمليات الاحتيال المزعومة وأنشطة غسيل الأموال المشددة التي يخضع للتحقيق بشأنها».
وأشرف سلامة على خطة تنقيد الديون في لبنان، والتي سمحت للبنك المركزي بتوفير التمويل للحكومة. وحذرت وكالة «موديز» في العام 2019 من أن هذا قد يقوض ربط العملة في البلاد وقدرتها على سداد الديون.
الخيار الوحيد
وتعثّرت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي منذ ذلك الحين بعد أن فشلت الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لفتح المساعدات. وكانت البلاد من دون إجماع على رئيس جديد، وضد مطالب صندوق النقد الدولي، منذ تشرين الأول من العام الماضي.
وقال سعيدي: «أعتقد أن صندوق النقد الدولي هو الخيار الوحيد للبنان. فالسياسيون لا يريدون إصلاحات لأنهم يرون أن الإصلاحات لا تخدم مصالحهم الخاصة، والطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي إشراك صندوق النقد الدولي الذي سيفرض شروطاً على لبنان».