وصلت «الموسى» إلى رقبة التفتيش التربوي. فقد تعرضت المفتشة التربوية، مهى الخيال، لإحراق سيارتها أثناء أدائها لمهمتها الرقابية في إحدى مدارس الشمال، فيما تتجه الأنظار إلى رئيس التفتيش المركزي، جورج عطية، والمراجع الأمنية والعسكرية والقضائية للدفاع عن جهاز بات يتيماً وغير محميّ، وبإمكان أيٍّ كان استباحة كرامته. هي الاستباحة نفسها التي يتعرّض لها موظفون ولا يتحرك التفتيش لحمايتهم رغم إيداعه عشرات الشكاوى بالمخالفات القانونية والإدارية والاعتداءات الجسدية بحقهم على أيدي مسؤولين في وزارة التربية، من دون أن يضع حداً لها أو يحاسب أيّاً من مرتكبيها. أن تبلغ الجرأة بشخص أو جهة الاعتداء على مفتش، فإن ذلك يعني أن في حوزته ملفاً حساساً ومثبتاً بالوقائع والحقائق. «الأخبار» حاولت التواصل مع المفتشة العامة التربوية، فاتن جمعة، للوقوف على تفاصيل الحادثة من دون أن تلقى أي جواب. وكانت جمعة قد رفضت، في حديث إذاعي، الإدلاء بأيّ معطيات حفاظاً، كما قالت، على سرية التحقيق باعتبار أن المعتدين لا يزالون فارّين ولم يتمّ القبض عليهم بعد، مكتفية بالقول إنهم يعملون في التربية. وفيما تمنّت على الاعلام الدفاع عن التفتيش، طالبت، في بيان، «القوى الأمنية والقضائية بالإسراع في التحرك وكشف هوية المعتدين والمحرّضين ومن يقف وراءهم، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوقيفهم وإحالتهم إلى القضاء المختص، وإلزامهم بالتعويض المادي عن الخسارة التي لحقت بالمفتشة المعتدى عليها». ودعت جمعة إلى وقفة احتجاجية، العاشرة من صباح اليوم، أمام مبنى التفتيش المركزي.
وزير التربية عباس الحلبي تابع هو الآخر من لندن، حيث يشارك في المؤتمر العالمي لوزراء التربية خبر حرق السيارة واتصل بالمفتشة العامة التربوية، ودعا الأجهزة الأمنية والقضائية إلى «التحرك سريعاً لكشف الفاعلين والمتورطين في الجريمة وسوقهم أمام القضاء». لكن، أين كان الحلبي وجمعة من سكوت التفتيش عن الاعتداءات على الموظفين والقرارات الكيدية بحقهم وعقلية البلطجة التي تدير الوزارة، ما أضعف الجهاز الرقابي وضرب هيبته واستقلاليته. فالمستخدم في المديرية العامة للتربية، علي الغول، رُمي 4 أشهر خارج وظيفته ولم يعد إلى العمل إلا قبل أيام قليلة، بعد الاعتداء عليه بالضرب على يد المدير العام عماد الأشقر، بتهمة تسريب معلومات من الوزارة إلى الإعلام، فيما لم يعتبر التفتيش ما حصل معه إخباراً ليحقق بالحادثة.
الأمر نفسه تكرر مع رئيس مصلحة التأهيل المهني في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، طوني راشد، الذي تعرض للاعتداء بالشتم والضرب والتهديد بالقتل بعد خلافه مع رئيس مصلحة المراقبة والامتحانات جوزيف يونس، على خلفية استعادة أحقيّة الختم لتصديق إفادات التدريب الخاصة، والتي صادرها يونس، مستقوياً بالغطاء السياسي. حادثة الاعتداء التقطتها كاميرات المديرية العامة، ووثّقها راشد في كتاب وجّهه إلى الحلبي، وإلى التفتيش المركزي والمديرة العامة للتعليم المهني والتقني، هنادي بري، وسجلت في قلم المديرية تحت الرقم 2630/6.
وحتى الآن، لم يتخذ التفتيش، مثلاً، أيّ توصية أو قرار لحل مشاكل إدارية نشبت منذ سنة ونصف سنة في ثانوية المفتي الشهيد حسن خالد – حوض الولاية، فيما لم يعالج مدير التعليم الثانوي الرسمي، خالد الفايد، حتى الآن المسألة إدارياً وتربوياً، لجهة تأمين التسليم والتسلّم الإداري والمالي بين الإدارة السابقة والإدارة الحالية، ولا يزال يرفض إحضار التفتيش للإشراف على العملية، وهو ما تطلبه المديرة السابقة، سعاد قصاص، لتسليم السجلات والمستندات المالية، باعتبار أن التفتيش جهة محايدة يمكن الركون إليها، ولا سيما بعد اقتحام الثانوية والعبث بموجوداتها.
وآخر الابتكارات كانت توريط طلاب الثانوية في مشكلة إدارية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إذ طُلب منهم إحضار إيصالات التسجيل تحت طائلة دفع مبلغ 6 ملايين ليرة مرة أخرى، ووصل الأمر إلى حد ابتزاز المرشحين للامتحانات الرسمية بعدم تقديم طلبات الترشيح إلى الوزارة، إذا لم يؤمنوا الإيصالات، في حين أن قسماً كبيراً من الطلاب المسجلين لا يحتفظون عادة بمستندات كهذه. ولما لم يحضر الطلاب إيصالاتهم طلب منهم التوجّه إلى قصاص لإعطائهم إيصالات بدلاً عن ضائع، علماً أن قصاص غادرت المدرسة والتحقت كأستاذة بثانوية أمان كبارة شعراني ولم تعد لها صفة وليست مخوّلة بأن تعطيهم أيّ مستند. بعض الطلاب تواصلوا مع الوزارة احتجاجاً على أخذهم رهينة للتجاذبات بين مديرية التعليم الثانوي والمديرة، ووُعدوا بمعالجة الملف وخصوصاً بعدما أبلغ طلاب الوزارة بأن وضع الثانوية يزداد سوءاً يوماً بعد آخر لجهة تراكم النفايات في القاعات والملعب والمياه المقطوعة في الحمامات. فهل ينتظر التفتيش أن يحصل اعتداء في الثانوية كي يتدخّل، أم أنّ الاعتداء على التفتيش سيكون مناسبة لتحريك المفتشيات العامة ضد الظلم اللاحق بالموظفين؟