ضخّ المستثمرون مبلغاً قياسياً بلغ 600 مليار دولار في صناديق السندات العالمية هذا العام، مستفيدين من العوائد المرتفعة التي لم تشهدها الأسواق منذ عقود، في ظل حالة من عدم اليقين التي تُسيطر على التوقعات حتى عام 2025.
فقد سمح تراجع التضخم أخيراً للبنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، ما دفع المستثمرين إلى الاحتفاظ بالعوائد المرتفعة نسبياً المتاحة، ومن ثم، تحقق أخيراً «عام السندات»، بعد أن خرجت 250 مليار دولار من صناديق الدخل الثابت عام 2022، وفق «رويترز».
وقال فاسيليكي باتشاتوريادي، رئيس استراتيجية الدخل الثابت في «آي شيرز» أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى «بلاك روك»: «القصة هي الدخل، نحن نرى الدخل يعود إلى الثابت، ولم نشهد هذه المستويات من العائدات منذ ما يقرب من 20 عاماً». وتميل عائدات السندات إلى الانخفاض، في حين ترتفع الأسعار، مع قيام البنوك المركزية بخفض تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل.
ورغم أن العائدات على مؤشر «ICE BofA Global Bond Index» بلغت في المتوسط نحو 2 في المائة هذا العام، فإن العائد المعروض تجاوز 4.5 في المائة أواخر العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008. وبحلول منتصف ديسمبر (كانون الأول)، تدفقت 617 مليار دولار إلى صناديق السندات في الأسواق المتقدمة والناشئة، وفقاً لمزود البيانات المالية «إي بي إف آر»، متجاوزة 500 مليار دولار في عام 2021، ما يضع عام 2024 على المسار الصحيح ليكون عاماً قياسياً.
من ناحية أخرى، اجتذبت الأسهم تدفقات بقيمة 670 مليار دولار؛ حيث سجلت المؤشرات في الولايات المتحدة وأوروبا مستويات مرتفعة جديدة، وحققت صناديق أسواق المال، التي تتميز بالعوائد المرتفعة والمخاطر المنخفضة، أفضل أداء؛ حيث اجتذبت أكثر من تريليون دولار.
الهوس بالائتمان
أثبتت سندات الشركات، التي تقدم عوائد أعلى من الديون الحكومية المكافئة، شعبيتها بشكل خاص؛ حيث ارتفعت مع قدرة الشركات على الصمود في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة من البنوك المركزية. وانخفض العائد على مؤشر سندات الشركات العالمية «ICE BofA» إلى أدنى مستوى له مقارنة بالديون الحكومية الخالية من المخاطر منذ ما قبل الأزمة المالية في عام 2007.
وقال ويليام سيلس، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك «إتش إس بي سي»: «قبل أن تبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع قبل بضع سنوات، قام عدد من الشركات بتثبيت تمويلها لفترة طويلة». وأضاف: «لذلك كان تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض على الشركات أقل بكثير مما كان متوقعاً. في الوقت نفسه، ربح عدد من الشركات أكثر من خلال احتياطاتها النقدية».
التوجه نحو صناديق المؤشرات
أظهر المستثمرون تفضيلاً واضحاً لصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي كانت في طريقها لتحقيق سنة قياسية، مع تدفق 350 مليار دولار من التدفقات بحلول نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً لبيانات «مورنينغ ستار دايركت».
وقال مارتن أوهمكة، أستاذ المالية في كلية لندن للاقتصاد: «تتيح صناديق المؤشرات للمستثمرين الوصول إلى عدد من الأصول التي كانت من قبل أكثر صعوبة في تداولها، بما في ذلك السندات».
وأضاف: «سندات الشركات على سبيل المثال، معروفة بأنها غير سائلة، لكن صناديق المؤشرات توفر وصولاً سهلاً إلى هذه السوق بشكل أكثر سيولة».
وقد استفادت أكبر شركتين لصناديق المؤشرات – «بلاك روك» و«فانغارد» – من هذا الاتجاه.
وجذب قسم «آي شيرز» في «بلاك روك» 111 مليار دولار من التدفقات بين يناير (كانون الثاني) ونهاية أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لتقديرات «مورنينغ ستار دايركت»، في حين استقطبت «فانغارد» نحو 120 مليار دولار، ذهب معظمها إلى أعمالها الخاصة بالمؤشرات.
وقد حققت «بيمكو»، المعروفة تقليدياً بإدارتها النشطة، أيضاً عاماً قوياً؛ حيث جذبت نحو 46 مليار دولار إلى صناديق السندات الخاصة بها، وفقاً لـ«مورنينغ ستار»، بعد أن خسرت نحو 80 مليار دولار في 2022.
التدفقات قد تتباطأ
قد تؤدي بعض العوامل إلى تباطؤ التدفقات في 2025؛ حيث تسبب برنامج التخفيضات الضريبية والتنظيمية للرئيس المنتخب دونالد ترمب في ارتفاع أسواق الأسهم الأميركية وزيادة التدفقات إلى الأسهم، ما يقلل من جاذبية السندات.
وأظهرت بيانات من «إي بي إف آر» و«تي دي سيكيوريتيز» أن 117 مليار دولار تدفقت إلى صناديق الأسهم الأميركية في الأسابيع الأربعة التي تلت فوز ترمب في 5 نوفمبر، أي أكثر من 4 أضعاف الـ27 مليار دولار، التي تدفقت إلى السندات العالمية.
في الوقت نفسه، يشكك المستثمرون في قدرة سندات الشركات على تحقيق مزيد من الارتفاع بعد الأداء القوي لهذا العام.
وقال كارل هامر، رئيس تخصيص الأصول العالمي في «إس إي بي» السويدية: «يبدو من الصعب جداً الاستمرار في توقع تقليص الفوارق أكثر من ذلك، ولا أعتقد أن عوائد السندات ستكون أقل بكثير من حيث هي اليوم».