السودان: الأجور والفيضانات تفجّر أزمة مالية حادة

تسببت الزيادة الكبرى والقياسية التي طبقتها الحكومة السودانية الانتقالية في الأجور بنسبة 569%، والتكلفة الباهظة لإعادة تعمير ما دمرته الفيضانات، في أزمة خانقة لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بسبب عدم توفر الموارد اللازمة لمقابلة هذه الالتزامات.

وكشف مسؤول رفيع بوزارة المالية، فضل عدم ذكر اسمه لعدم التخويل له بالتحدث للإعلام، لـ”العربي الجديد” عن “دخول الوزارة في حالة طوارئ منذ نحو أسبوعين لتجميع موارد كافية لسداد متبقي الرواتب للقوات النظامية وباقي الولايات السودانية، أضيف لها التحرك من أجل توفير أموال لدرء آثار الفيضانات والسيول التي تجتاح السودان هذه الفترة”.

وأعلنت الحكومة السودانية منتصف إبريل/ نيسان الماضي، عن زيادة في الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة من 425 إلى 3 آلاف جنيه، لمقابلة الزيادات المضطردة في أسعار السلع بالأسواق وغلاء المعيشة، وارتفاع نسب التضخم المتصاعدة في البلاد.

وحسب بيانات رسمية زاد التضخم إلى 143.78% في شهر يوليو/ تموز الماضي، ما تسبب في صعوبة حصول محدودي الدخل على السلع الضرورية، فضلا عن تدهور قيمة العملة الوطنية التي بلغ سعرها في السوق الموازي خلال الأسبوع الحالي نحو 208 جنيهات للدولار الواحد، مقارنة بالسعر الرسمي الذي يحدده بنك السودان المركزي وهو 55 جنيهاً للدولار.

وقالت المديرة السابقة للأجور والمرتبات بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أسماء مصطفى، لـ”العربي الجديد” إن قرار زيادة الأجور لهذا المستوى تم من غير دراسة أولية للتكلفة التقديرية للزيادة ووضع تحوطات لها في الموازنة كما كان يتم في السابق، مشيرة إلى أن بدء وزارة المالية في تطبيق هيكل الرواتب الجديد جعل من الزيادة حقا مكتسبا بعد صدورها بقرار رسمي وتم تنفيذها بالطرق السليمة.

وقالت وزارة المالية إنها تعمل على استحداث موارد جديدة لتغطية عجز الموازنة وتمويل المرتبات، من خلال الصندوق السيادي المقترح للتصرف في الأموال والعقارات المصادرة من قبل لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الإنقاذ من عناصر النظام البائد.

وقدرت قيمة مساهمة الأصول والمنقولات المستردة عبر لجنة إزالة التمكين بـ158 مليار جنيه، وهذا يفوق حجم المصروفات الحكومية في الموازنة المقدرة بنحو 128 مليار جنيه.

وأشار عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير (قحت)، كمال كرار، بحديث لـ”العربي الجديد” إلى أن عدم صحة تقديرات الموازنة العامة للدولة للعام 2020 فيما يخص الإيرادات والإنفاق هو السبب الرئيس في مأزق زيادة الأجور الذي تقع فيه وزارة المالية خلال الوقت الحالي، والذي لن تتمكن من الخروج منه بخفض الأجور مرة ثانية.
وقال كرار إن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو ضرورة إجراء مراجعة سريعة للموازنة عبر زيادة الإيرادات العامة بما فيها موارد النقد الأجنبي عن طريق فرض ضرائب تصاعدية على المؤسسات والشركات ذات الدخول العالية وإنشاء بورصة للذهب والمعادن المحاصيل للسيطرة على الصادر والوارد والنقد الأجنبي لمعالجة الصرف على الأجور.
وكشفت المدير العام للموازنة بوزارة المالية، نادية محمد عثمان، مؤخرا عن استدانة 68 مليار جنيه من بنك السودان المركزي خلال الـ6 أشهر الماضية لتغطية مرتبات العاملين بالدولة.

وانتقد القيادي الاقتصادي، التجاني حسين، في حديثه لـ”العربي الجديد” مضاعفة وزارة المالية للرواتب بنسب قياسية دون توفر موارد حقيقية أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتثبيت الأسعار، مشيرا إلى أن وزير المالية لم يلتزم بما نص عليه برنامج الموازنة من زيادات متدرجة في الرواتب حتى تصل لنسبة 100% ولكنه تجاوزها، ولا سبيل للتراجع عن هذه الزيادات في الرواتب والتي تسبب السوق في امتصاصها مباشرة من خلال الارتفاع المضطرد في السلع الاستهلاكية الضرورية تزامنا مع إعلان الزيادات في الأجور

وقدم وزير المالية المقال، إبراهيم البدوي، دفاعات عديدة لقراره بتنفيذ الهيكل الراتبي الجديد للعاملين في الدولة بأنه يسهم في تحريك الاقتصاد الوطني، ويخفف حدة التضخم، مبيناً أن سبب ارتفاع التضخم هو زيادة الكتلة النقدية بصورة مضاعفة منذ عام 2016، مؤكداً أن زيادة الأجور ستكون أداة لمعالجة الكساد الاقتصادي الذي برز عقب جائحة كورونا.

ودشنت الحكومة، أول من أمس، برنامج سلعتي، والذي يهدف إلى تخفيض أسعار 18 سلعة استهلاكية بنسبة 20 إلى 40 في المائة.

وتُشرف وزارة التجارة والصناعة، عبر شركة السلع الاستهلاكية، على البرنامج وتموّله وزارة المالية، ويتم البيع المباشر عبر الجمعيات التعاونية المنتشرة في كل ولايات السودان والمسجلة بموجب القانون.

وما يزيد من الأزمة المالية في السودان الفيضانات التي تسببت في خسائر مادية فادحة. وقدر الخبير الاقتصادي، عادل عبد المنعم، في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد”، تكلفة إعادة إعمار ما دمرته السيول والفيضانات في السودان بملياري دولار منها خسائر زراعية وسكنية وفي البنية التحتية، مشيرا إلى تضرر أكثر من نصف مليون فدان زراعي من تبعات الفيضانات.

 

 

مصدرالعربي الجديد - هالة حمزة
المادة السابقةمتاعب سوق النفط تدفع لموجة ثانية من التخزين العائم
المقالة القادمةالامن العام: للابلاغ عن أي تلاعب بسعر صرف الدولار