السودان يُعبّد طريق الخروج من محنته بالإصلاح… فمتى يحين دور لبنان؟

الفوارق بين لبنان ودولة السودان كثيرة أيضاً، فالأخيرة توصلت في حزيران 2020 إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي تعهدت بموجبه بإنجاز مجموعة من الإصلاحات خلال مهلة عام، مقابل وعد “الصندوق” بفتح أبواب التمويل والإستثمار الدوليين في القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية، وخلق فرص العمل للمواطنين بمجرد اكتمالها. فيما فشل لبنان بعد 17 جلسة مع ممثلي “الصندوق” في الإتفاق على البديهيات، وعلقت الجلسات بعد آب 2020.

بدأ السودان العمل على إصلاح بيئة الإستثمار، وأعد ونشر قوائم حصر لجميع الشركات المملوكة من الدولة، وتعهد باصدار مراسيم ضمان الملكية وإجراء الرقابة الشفافة على جميع مؤسسات الدولة، فيما لبنان يعجز عن إصدار رقم موحد، وهناك استحالة في الوصول إلى المعلومات ولم ينجز قانون الشراء العام. عدل السودان قانون مصرفه المركزي لتكريس استقلاليته وإنشاء نظام مصرفي فعال يتماشى مع أولويات الدولة ومصلحة المواطنين برأسمال متكامل، ولبنان عاجز منذ أكثر من سنة عن المباشرة بالتدقيق الجنائي في “المركزي” رغم رفع السرية المصرفية. تعهدت حكومة السودان بدعم الأسر السودانية في المرحلة الإنتقالية، فيما لبنان يتخبط في بطاقته التمويلية “التمويهية”، وعجزه عن تقديم العون لـ 800 ألف عائلة أصبحت بحاجة إلى المساعدة الفورية.

بالفعل، بدأت في اليومين الماضيين تتكشف في مؤتمر باريس نتائج إيفاء السودان بكل الشروط اللازمة للإنضمام إلى “مبادرة دعم الدول المثقلة بالديون”. فشطبت فرنسا 5 مليارات دولار من ديونه، ومنحته قرضاً بـ 1.5 مليار دولار. وأعلنت السعودية عن منحة بقيمة 20 مليون دولار. وتعهدت ألمانيا بتقديم المزيد من المساعدات، بعدما كانت أعطت السودان في مؤتمر برلين العام 2020 ما يقارب 1.8 مليار دولار، مضافة إلى 1.15 مليار كانت قد منحتها الولايات المتحدة للسودان لتسوية ديونه. أمّا في لبنان فان “المسؤولين ما زالوا يضيعون الفرصة تلو الأخرى منذ باريس واحد في العام 2001، مروراً بمؤتمر سيدر في العام 2018، ووصولاً إلى تفويت فرص الإتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

خلافاً لشكل الدين العام اللبناني الذي بمعظمه داخلي، يعتبر دين السودان البالغ حوالى 60 مليار دولار خارجياً بنسبة 100 في المئة”، يقول الخبير الإقتصادي فادي جواد. فنادي باريس يحمل 19 ملياراً، وتحمل الدول خارج هذا النادي، وفي مقدمها الكويت، ما يقارب 19 ملياراً (الكويت وحدها تحمل ديناً بقيمة 10 مليارات دولار على السودان) وهناك 4.9 مليارات كديون تجارية، و4.6 مليارات تحملها مؤسسات دولية. وعلى الرغم من أن معالجة الديون الخارجية تعتبر أصعب بكثير، وتتطلب شروطاً أقسى من معالجة الديون الداخلية كحالة لبنان، فان “ما حدث في السودان في الفترة القريبة الماضية هو صفقة سياسية برضى أميركي، أكثر منها إقتصادية”، برأي جواد. فـ”أخرج السودان من لائحة العقوبات، وأدخل عليه صندوق النقد والبنك الدوليين لمساعدته على الخروج من أزمته الإقتصادية وتذويب ديونه، تمهيداً للوصول إلى تحقيق إيرادات كبيرة والإستفادة من ثرواته ومواده الأولية. هذا التطور يأتي بعد صراع جيوسياسي على السودان لعبت فيه تركيا في الفترة الماضية دوراً أساسياً”. وبحسب جواد فان “الصوت السياسي هو المُرجِح دائماً في معالجة أزمات الدول الفقيرة ومنها لبنان. من هنا وعلى غرار السودان، فان قبول لبنان القرارات الدولية وموافقته على تسوية ملفات مهمة مثل النفط والغاز والصراع مع إسرائيل، والحياد تساعده على الخروج من أزمته، وتذلل العقبات في ما خص معالجة الدين وتوفير التمويل”.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةالأزمة الاقتصادية تضرب «المطبخ»: الأطباق اللبنانية جودة أقل… و«خطر» أكبر!
المقالة القادمةالهيئات الإقتصادية: مواقف وهبه تُضرّ بعلاقاتنا مع الدول الشقيقة