بعد أسبوعين على تكليف الأمن العام بضبط السوق السوداء للمازوت جنوباً، بات مكشوفاً وبشكل فاضح، مماطلة النيابة العامة المالية في ضبط الاحتكار والتخزين ورفع الأسعار، رغم توافر أسماء المتورطين. وفي دليل على تواطؤ الدولة ضد نفسها في شبكة تقاطع المصالح، تقرر أول من أمس «كف يد» المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم عن متابعة هذه القضية. لم يصدر قرار خطّي بـ«كف يده». ما جرى هو أن الضابطة العدلية، ممثلة هنا بالأمن العام، باتت تخابر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي تُجرى التحقيقات بإشرافه. الشكوى من أداء القاضي إبراهيم كانت قد استفحلت في الأسبوع الفائت، بعد اكتفائه بالطلب إلى المستوردين وأصحاب شركات التوزيع ومحطات المحروقات توقيع تعهّد ببيع المخزون الموجود في حوزتهم، والإفراج السريع عن المشتبه فيهم.
استبدال إبراهيم بعويدات سرعان ما ترجم عملياً يوم السبت الماضي بإصدار الأخير إشارات لتوقيف عدد من رموز السوق السوداء في الجنوب، إذ أوقف أمن عام صيدا محمد ع. المشتبه فيه «بسحب مئات آلاف الليترات من منشآت النفط في الزهراني من دون أن يكون مسجّلاً ضمن لائحة شركات الاستيراد والتوزيع المرخصة، ولديه خزانات في صيدا يخفي فيها المازوت ليبيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة». كما أوقف أيمن ح. «الذي يملك صهريجاً لتوزيع المازوت ومحطات عديدة بين الصرفند والغازية، وذلك بعد الكشف على خزاناته الممتلئة في الغازية». ومن الموقوفين بالتهمة ذاتها، حسين م. بعد الكشف على خزاناته في الصرفند. وأمس، أوقف مدير فرع محطات «الأيتام» في دير الزهراني بعد مداهمة للمحطة إثر إخبار عن تخزينه للمازوت. لكن تبيّن لعناصر الأمن العام أنه «يخزن مادة البنزين ويدّعي نفادها أمام الزبائن»، بحسب المصدر. لكن الشركة التي تتبع لها محطات «الأيتام» نفت المعطيات عن وجود تخزين غير قانوني للبنزين، لافتة إلى أن المحطة كانت مقفلة بسبب منح الموظفين العاملين فيها ساعات من الإجازة بعد عملهم لمدة ثلاثة أيام متواصلة ليلاً ونهاراً، وأن الكمية الموجودة في المحطة لم تكن كبيرة، فضلاً عن أن البنزين لا يمكن تخزينه لمدة طويلة ولا يمكن بيعه في السوق السوداء.
الإشادة بالقضاء والأمن لم تكتمل السبت. فقد انتشرت صور لقوة من الأمن العام تكشف على خزانات أحمد ح. في الصرفند «المشتبه في أنه من أبرز تجار السوق السوداء، وقد منع من دخول المنشآت قبل أيام بعد انتشار الشائعات حول تورطه». لكن المداهمة «لم تثبت تخزينه للمازوت، بل وجد العناصر في كل خزان حوالى 200 ليتر». وبصرف النظر عن صحة تهمة الاحتكار، إلا أن المشتبه فيه «البريء» والكثير سواه متهمون بشكل ثابت بعدم احترام شروط المجمعات النفطية في مرسوم تنظيم قطاع النفط الصادر عام 1994، إذ يجري التخزين بشكل مخالف بين المنازل وفي مناطق سكنية من دون مراعاة مواصفات السلامة العامة وحماية المستهلك من الغش. فخزانات تجميع المازوت غير مزوّدة بعدادات ولا تعرف سعتها ولا كيفية التفريغ منها.
التوقيفات لم تبدّد الأزمة التي تستعر في الجنوب بشكل خاص بالمقارنة مع باقي المناطق. طوابير من السيارات انتظرت أمام العدد القليل من محطات البنزين التي فتحت أبوابها أمام الزبائن، وسط تقنين حاد في الكمية التي يمكن لكل زبون الحصول عليها. مصدر في المنشآت قال لـ«الأخبار» إن أزمة البنزين والمازوت من المنتظر أن تحل بدءاً من غد الثلاثاء بعد وصول الباخرة التي ستفرغ حمولتها، على أن يبدأ توزيعها بعد غد الأربعاء. فهل سيكون التوزيع عادلاً؟ مصدر أمني نقل عن الجهات القضائية والأمنية والحزبية، مرة جديدة، «رفع الغطاء جدياً عن النافذين الذين كانوا يتسلمون كميات من المازوت من الزهراني من دون وجه حق».