فشلت الحكومة ومعها مصرف لبنان، في السيطرة على السّوق المالي الذي تحول هذا الأسبوع إلى ساحة “لمتسوّلي” الـ 200 دولار.
وشهدت السّوق المالي إضطرابات شديدة، بعد قرار الحكومة الطّلب إلى مصرف لبنان التّدخل في السّوق لِلَجم ارتفاع الدّولار الذي تجاوز سعره في السّوق السّوداء في الأسابيع القليلة الماضية عتبة الـ 5000 ليرة. وكان واضحاً أمين سر نقابة أصحاب مؤسسات الصّيرفة محمود حلاوي، عندما سُئل عن أسباب الفوضى في سوق الدّولار الذي سُحب ملفّه من المصارف وأُعطي إلى الصّيارفة، حين قال: إن تخفيض سعر الدّولار “بدّا رحمة الله”. وهذا ما يؤكد على عقم قرار الحكومة الذي لم يجدي نفعاً في أسبوعه الأوّل، حيث لم تتراجع أسعار الدّولار لدى مؤسسات الصيرفة المرخص لها قانوناً فئة “أ” في الأسبوع الأول على انطلاقة قرار لجم الدّولار إلّا بضعة ليرات لبنانية، ويبقى السعر إذا وُجِدَ الدّولار، يتراوح بين 3850 ليرة و 3900 ليرة للدّولار.
إجمالاً، إن هذا الأسبوع شهد أحداثاً وتطورات مالية واقتصادية شديدة التعقيد، تنذر بمضاعفات ما لم تتم معالجتها في أسرع وقت ممكن، وبطريقة جدية عملية وليس بالتمنيات.
وفي المحطات الاقتصادية والمالية هذا الأسبوع:
* إستمرار المراوحة في المفاوضات بين الدّولة اللبنانية و”صندوق النقد الدّولي” من دون التوصل بعد إلى أي توافقات ولو على الورق. وقد نقلت هذا الأسبوع وكالة عالمية عن متحدّث باسم “صندوق النقد” قوله، إن النقاشات مستمرة مع الحكومة اللبنانية، مشيراً إلى أن النقاشات الجارية معقّدة وتتطلّب تشخيصاً مشتركاً لمصدر الخسائر المالية وحجمها. وأضاف، أن لبنان بحاجة إلى إصلاحات شاملة ومنصفة في مجالات عديدة وهو ما يتطلّب توافقاً ومشاركةً إجتماعية.
* دخول لجنة المال والموازنة على خط الخلاف الحاصل بين الحكومة، وكل من مصرف لبنان وجمعية المصارف بصدد تحديد حجم الخسائر في القطاع المالي. وأفاد رئيس اللجنة إبراهيم كنعان، أنه تم التوصّل إلى خفض قيمة الخسائر كما وردت في خطّة الحكومة المقدّمة إلى “صندوق النقد الدّولي” بنسبة كبيرة (نحو 40 %)، وأن هذا الأمر سيساهم في توحيد موقف الوفد اللبناني المفاوض مع “صندوق النقد الدّولي”.
* صدور تقرير دولي عن مجموعة الأزمات في الشرق الأوسط بعنوان “إخراج لبنان من الحفرة”، وخلص التقرير إلى أنه بحلول نيسان الماضي كان انخفاض سعر العملة قد دفع الأسعار بالليرة إلى الارتفاع أكثر من 50 %، وهذه الزيادة تعكس إرتفاع سعر السّوق السّوداء.
ونبّه التقرير، إلى أن الأزمة المالية التي ضخّمتها جائحة “كورونا”، دفعت الاقتصاد اللبناني إلى الرّكود وارتفاع معدّل التضخم، وزيادة كبيرة في معدّلات البطالة، ونقص في السّلع المستوردة، إلخ..
ويختم التقرير جازماً، أن الضغوط الاقتصادية ستولّد المزيد من الحراك في الشّارع، والبلد برمته يمكن أن ينهار، ولن يفضي ذلك إلى خطّة أو حل بل إلى الفوضى الاجتماعية والحرب.
* إنشاء خلية أزمة لمواكبة تطور المسار المالي والنّقدي في البلاد، وتكليف الأمن العام بدء العمل بغرفة العمليات الخاصة، لمتابعة أعمال المضاربة على الليرة وتوقيف المتلاعبين والمضاربين.
* خروج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للتأكيد على أن احتياطات المركزي ليست في خطر، وأن الأخير يعمل على استقرار الليرة، وقال سلامة لوكالة أنباء عالمية، إن البنك المركزي يهدف لدفع سعر الدّولار للانخفاض بالاتفاق مع صيارفة العملة المرخّصين، للمساعدة في استقرار الأسعار بقدر استطاعتهم.
وأوضح سلامة، أن الحجم اليومي في تدخل المركزي بالسّوق اليومي، هو 4 ملايين دولار في المتوسّط، وهذه المبالغ يجري شراؤها من السّوق وبيعها إلى السّوق، وبالتالي فإن الإحتياطات لدى المصرف المركزي ليست في خطر.
وأخيراً، لا بد من التوقّف عند مسألة أساسية باشر لبنان هذا الأسبوع اختبار تداعياتها على الاقتصاد بشكل عام، وهي دخول قانون “قيصر” للعقوبات ضد سوريا حيّز التنفيذ، وهذا القانون ستترتّب عنه وبحسب الخبراء المحليّين، نتائج سلبية على مجمل الاقتصاد اللبناني.
إلى كل ما تقدّم، لابد من الإشارة في ختام هذا العرض، إلى أن الفوضى التي تسببت بها عملية بيع الـ 200 دولار يفترض بها أن تنتهي اعتباراً من يوم الإثنين المقبل، بعد قرار نقابة مؤسسات الصيرفة وقف العمل بهذا التدبير بشكل نهائي.