بيار الأشقر: الطلب الأكبرعلى الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والأماكن السياحية الأفخم والأغلى. الذين يشكون من ارتفاع الأسعار ليسوا رواد تلك الأماكن الغالية بل الفئة العاجزة عن ارتيادها.
خالد نزهة: المؤسسات المصنفة TOP عددها 100 وهي الأكثر رواجاً وتسجل أعلى معدلات الإشغال. 5 إلى 7% من المقيمين فقط قادرون على السياحة الغالية وبقية الإقبال من المغتربين والأجانب.
هيSt. tropez أو البترون؟ Monaco أو بيروت؟ Alpes أو فاريا؟ cannes أو صور؟
لوهلة، عندما ترى اسعار الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والملاهي في لبنان، تظنّ انك في دولة أوروبية وليس في بلد منهار اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، أو في بلد فقدت عملته اكثر من 97 في المئة من قيمتها، أو بلد تخطى معدل التضخم السنوي فيه 260 في المئة وتبلغ نسبة الفقر بين شبابه نحو 60 في المئة من السكان. فقد أصبحت السياحة في لبنان للأغنياء فقط مع ارتفاع الاسعار بشكل خيالي لتفوق المعدلات العالمية!
نسبة الإشغال مرتفعة
رغم ذلك، فان نسبة الإشغال خلال عطلة نهاية الاسبوع تحديداً في موسم الصيف بين 80 و90 % في معظم الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم واماكن السهر المصنفة ضمن فئة 5 نجوم والتي تقع في المناطق السياحية الرائجة حالياً.
تتراوح اسعار الاقامة ليلة واحدة في فندق او بيت ضيافة 5 نجوم في مختلف المناطق اللبنانية السياحية ابرزها العاصمة بيروت بالاضافة الى البترون، الشوف، فاريا، صور وغيرها من المناطق الجبلية التي تنتشر فيها بيوت الضيافة، بين 200 و400 دولار للغرفة العادية وصولاً الى 800 دولار للغرف المزدوجة في الليلة الواحدة في فنادق سوبر مصنفة.
كذلك الامر بالنسبة الى المطاعم واماكن السهر الرائجة للنخبة والتي تعتمد حدّا أدنى للشخص الواحد يتراوح بين 50 و100 دولار، علما ان بعض الملاهي (السبسيال كتير) تضع حدّاً ادنى للحجوزات بـ 800 و1000 و 1500 دولار للطاولة الواحدة.
بيروت أغلى من 70 مدينة
وقد صُنّفت بيروت بالمدينة الأكثر غلاءً بين 70 مدينة في الدول ذات الدخل الأدنى إلى المتوسط المشمولة في المسح النصف سنوي للعام 2023 الذي أعدّته قاعدة البيانات العالمية Numbeo حول كلفة المعيشة. والذي اظهر أن بيروت احتلّت المرتبة اﻟ 290 بين 549 مدينة عالمياً والمرتبة السادسة بين 31 مدينة عربية شملتها الدراسة. مع الاشارة الى ان كلفة المعيشة في بيروت جاءت أعلى بحوالى 47% من المدن المشمولة في المسح.
هذا الواقع الذي لا يعكس الوضع الاقتصادي المتردّي للبلاد، دفع جزءاً من المغتربين او السياح الى إلغاء حجوزاتهم الى لبنان او الى تقليص مدّة اقامتهم فيه. فبعد دولرة الاسعار بشكل شبه كامل في لبنان، عادت اسعار الاستهلاك والسلع والخدمات خصوصا السياحية منها الى معدلات ما قبل الازمة واكثر، حيث بلغت نسبة التضخم في اسعار المطاعم والفنادق لغاية ايار، أي قبل بدء موسم الصيف وقدوم المغتربين، 375 في المئة على صعيد سنوي، في حين بلغت نسبة تضخم اسعار الاستجمام والتسلية والثقافة السنوية 223 في المئة في ايار وفقاً لادارة الاحصاء المركزي. ولكنّ هذا الجنون بالاسعار لم يحل دون بلوغ نسبة الحجوزات والإشغال طاقاتها القصوى في الاماكن السياحية الفاخرة.
أسئلة تطرح نفسها
فمن هم رواد تلك الاماكن وهل ان تلك الاسعار التي لا تعكس الواقع الاقتصادي للبلاد، ستحفز المغتربين اللبنانيين المتوافدين الى لبنان، على العودة مرّة اخرى أم ان كلفة قضاء العطلة في وطنهم الام الذي أصبح يوازي لا بل يزيد عن كلفة قضاء عطلة الصيف في أوروبا، ستحثهم على مقاطعته؟
وهل ان جذب السياح الاجانب وليس المغتربين يتمّ من خلال اعتماد تلك الاسعار الخيالية؟ ام ان القطاعات السياحية تكتفي فقط بإشغال موسم الصيف وتعوّل فقط على المغتربين للصمود؟
أليس من الاجدى تعديل الاسعار نزولاً واستقطاب السياح باعداد كبيرة طوال اشهر السنة بدلا من تحويل لبنان الى سويسرا لشهرين في العام فقط؟
الطلب الأكبر على الخمس نجوم
في هذا الاطار، اعتبر نقيب اصحاب الفنادق بيار الاشقر ان الاسعار تحَدد وفقا للعرض والطلب، ولطالما كانت الاسعار تختلف صعودا ونزولا خلال المواسم السياحية في كافة دول العالم. موضحاً لـ»نداء الوطن» ان معدل الاسعار في فنادق لبنان يتراوح حالياً بين 50 و500 دولار للغرفة في الليلة الواحدة، وان الطلب الاكبر اليوم هو على الفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والاماكن السياحية «الافخم والاغلى»، مشيراً الى ان التوجّه نحو الخدمات الفاخرة والاماكن المصنفة 5 نجوم واكثر، اصبح قائماً في كافة دول العالم مع تقلّص الطبقة الوسطى بشكل لافت وزيادة عدد الاغنياء الذين يقصدون كلّ ما هو مصنّف «super deluxe».
وبالتالي، اعتبر الاشقر ان ارتفاع الطلب على هذه النوعية من الاماكن والخدمات، أدّى الى زيادة الاستثمارات بملايين الدولارات في المشاريع الضخمة والفاخرة، مما يحتّم عليها ان تحدد اسعاراً مرتفعة توازي كلفة المنتج النهائي او الخدمات التي تقدمها، علماً ان الكلفة التشغيلية في لبنان اكبر من غيره من الدول بسبب تقاعس الدولة عن تأمين البنية التحتية اللازمة لعمل القطاعات.
فعلاً مثل أوروبا
وفيما اكد ان جزءاً من لبنان أصبح فعلاً مثل اوروبا، قال ان الوافدين الى لبنان او حتّى جزءاً من المقيمين في لبنان يستهدفون الاماكن السياحية المميّزة والراقية والفاخرة ولم تعد تعنيهم الاماكن الاقلّ تصنيفاً، «بدليل ان الفنادق والمطاعم والملاهي الاعلى سعراً والاغلى هي التي تسجل معدلات إشغال مرتفعة، في حين ان الفنادق والمطاعم التي تعتبر اسعارها متدنية او ضمن القدرة الشرائية للجميع تعاني من شغور ومعدلات إشغال متدنية ولا يوجد طلب عليها».
السر في الخدمة المميزة
اضاف: أغلى فندق واغلى مطعم واغلى سيارات للايجار هي الاكثر طلباً في لبنان حالياً بسبب المهنة التي يحترفها اللبناني وهي الخدمات المميّزة التي يقدمها.
ولفت الى وجود طبقة ميسورة جدّاً في لبنان بالاضافة الى الوافدين من مغتربين او سياح عراقيين واردنيين ومصريين ميسورين وبعض الاجانب من الدول الاخرى والذين يشكلون 25% من الوافدين، يشكلون جميعهم الفئة التي تقصد وتزيد الطلب على الاماكن السياحية الاكثر غلاء بالاسعار.
«الرخيص مش ماشي»
وحول امكانية استمرارية الاقبال الكبير على هذه الفئة من الاماكن في لبنان رغم ارتفاع الاسعار مقارنة بالعام الماضي، سأل الاشقر: إذا كان عدد الوافدين هذا الصيف قد ارتفع بنسبة 25 في المئة، وإذا كانت معدلات إشغال الاماكن الاكثر غلاء تبلغ نسبتها القصوى، هل نعمد الى خفض الاسعار؟ موضحاً ان الارتفاع بالاسعار مردّه الى ارتفاع اسعار السلع عالمياً والى رفع الرسوم الجمركية محلياً، «ولكن هذا الامر لا يعني عدم وجود اماكن بأسعار متدنية، إلا ان الطلب على هذا النوع من الاماكن لم يعد موجوداً في لبنان، «والرخيص مش ماشي!»
طلب مرتفع.. سعر أعلى
واكد الاشقر انه على غرار كافة دول العالم عندما يكون الطلب كبيراً على خدمة او سلعة ما ترتفع اسعارها، وعندما ينخفض الطلب عليها تنخفض الاسعار. وبالتالي فان اسعار الفنادق في المواسم غير السياحية تنخفض لتقليص حجم الخسائر لتعود وترتفع في الصيف للتعويض عن تلك الخسائر. لافتاً في الختام الى ان الذين يشكون من ارتفاع الاسعار ليس رواد تلك الاماكن بل الفئة العاجزة عن ارتيادها.
مشكلة الكلفة التشغيلية
من جهته، رأى نائب رئيس نقابة اصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي خالد نزهة ان المؤسسات تملك حرّية التسعير استناداً الى نوعيتها وتصنيفها وموقعها والخدمات او المنتجات التي تقدمها، لافتاً الى وجود مطاعم وملاهٍ ومقاهٍ من كافة الفئات ومختلف الاسعار، على ان يختار الزبون المكان الذي يناسب قدرته الشرائية. لافتاً في حديث لـ»نداء الوطن» الى ان المطاعم والمقاهي والملاهي المصنفة 5 نجوم والتي تعتبر من بين الـtop 10 والتي يبلغ عددها حوالى 100 مؤسسة، هي الاكثر رواجاً وتسجل معدلات الإشغال الاعلى.
واشار نزهة الى ان الكلفة التشغيلية في لبنان هي الاعلى في الشرق الاوسط بسبب تقاعس الدولة عن مسؤولياتها، مما يحتّم على مؤسسات القطاع الخاص تأمين الكهرباء والمياه وغيرها على نفقتها، وبسبب الاعتماد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج لتأمين الحاجات، مما يرفع بشكل اضافي الاسعار.
عدنا بالذاكرة إلى 2016
ولكن رغم ذلك، فان رواد تلك الاماكن، وهم بمعظمهم من المغتربين اللبنانيين، يعتبرون ان تلك الاسعار مناسبة جدّا لهم، بالاضافة الى حوالى 5 الى 7 في المئة من المقيمين في لبنان القادرين على ارتياد تلك الاماكن المصنفة top 10. مؤكداً ان نسبة الاشغال مرتفعة جدّاً في مختلف المناطق التي تضمّ المؤسسات المصنفة 5 نجوم «مما يعيدنا بالذاكرة الى العام 2016 حين اختيرت بيروت الوجهة الافضل عالمياً لناحية السهر والمطاعم».
وشدد نزهة على ان قطاع المطاعم المقاهي والملاهي هو الذي اعاد الحياة الى لبنان واعاد تحريك العجلة الاقتصادية وجذب الاستثمارات، بدليل اعادة احياء المناطق المدمرة نتيجة انفجار المرفأ، مشيراً الى ان هذا القطاع ساهم بخلق حوالى 30 الف وظيفة بعد الازمة.
وفي الختام، اكد نزهة ان الهدف اليوم خلق سياحة مستدامة وليس موسمية واستقطاب السياح من مختلف الجنسيات.