تتراجع مؤشّرات التفاؤل بالموسم السياحي الممتد بين عيديّ الميلاد ورأس السنة، بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدها لبنان مع نهاية فصل الصيف واستقبال فصل الخريف. فسرعان ما اشتعلت جبهة الجنوب بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي أثار مخاوف القيّمين على القطاع السياحي، بالتوازي مع مخاوف السيّاح من القدوم إلى لبنان، خصوصاً وأن بعض الدول طلبت من رعاياها مغادرة البلاد، ما شكّل ضربة قاسية للقطاع السياحي بعد موسم صيفي ناجح إلى حدّ ما. وأمام هذا المشهد، يقف بعض أركان القطاع أمام احتمالات سلبية تماماً، ويقف البعض الآخر أمام بعض المؤشّرات الإيجابية. في حين تتناقص احتمالات التعويل على المغتربين خلال هذه الفترة.
حركة المطار والأمل بإنقاذ الموسم
تنذر حركة المطار في هذا الوقت من العام بحركة سياحية خلال عيدي الميلاد ورأس السنة، رغم الأوضاع السياسية والاقتصادية المأزومة، إذ يفضّل الكثير من المغتربين اللبنانيين، والسياح العرب والأجانب، قضاء العطلة في لبنان. الأمر الذي يساهم في تحسين وضع القطاع السياحي وينعكس إيجاباً على الاقتصاد.
الازدحام الذي يشهده مطار رفيق الحريري الدولي، مرحَّب به سياحياً. وتعبِّر حالة اللبنانيين الوافدين عن مدى الازدحام، فتقول باتريسيا الخوري الآتية من ألمانيا لتمضية فترة الأعياد لبنان، أنها “انتظرت أكثر من ساعتين تقريباً للخروج من المطار”. وتشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن الازدحام الذي يسبّبه المغتربون والعرب والأجانب “مطمئن إلى حدّ كبير”، إذ أنها كانت “تخشى زيارة لبنان” بسبب الأوضاع الحالية “ولم يكن سهلاً اتخاذ قرار المجيء في ظل الأوضاع الأمنية. لكن زيارة العائلة وتمضية العيد معها واجب لا بد منه”. خصوصاً وأن الخوري لم تتمكّن من زيارة العائلة في فصل الصيف “بسبب ارتفاع أسعار تذاكر السفر. لذا فضّلت تأخير الزيارة”.
وانخفاض أسعار التذاكر كان لافتاً، إذ تراجعت بنحو 20 بالمئة مقارنة مع الأسعار المسجّلة في فصل الصيف الماضي. وبحسب الخوري “وصلت الأسعار خلال شهريّ تموز وآب إلى أكثر من 800 دولار، وهو رقم مبالَغ فيه”.
ومع أن الحركة مشجِّعة، إلا أنها تبقى أقلّ من المستوى المعتاد. إذ تراجعت الحركة منذ 7 تشرين الأول الماضي بنسبة 26 بالمئة. وبالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2022، تراجع عدد الركاب من 8 آلاف و800 راكب إلى 6 آلاف و700 راكب يومياً. ومع ذلك، تظهر الحركة الحالية في المطار “انفراجاً”، وفق توصيف نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود، الذي يأمل في حديث لـ”المدن” أن تساهم حركة الوافدين “في إنقاذ القطاع السياحي”. ورجَّحَ عبّود أن “تشهد الحركة السياحية تحسناً خلال أسبوع أو أسبوعين من حلول الأعياد”. ويستند عبّود في تفاؤله إلى “المؤشّرات التي تظهر في حركة حجوزات الطيران، بعد أن وصلت الحجوزات إلى ما يتراوح بين 50 و60 بالمئة، أغلبهم من المغتربين اللبنانيين”.
انتكاسة قطاع الفنادق
على عكس التفاؤل الذي يسجّله قطاع حجوزات السفر، لا يبدي رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، تفاؤلاً بالموسم السياحي. ويعتقد بأن “الموسم أصيب بانتكاسة”.
ويصف الأشقر وضع القطاع الفندقي بـ”المعدوم”. وحسب ما يقوله لـ”المدن”، فإنه “لا يوجد حجوزات فندقية تُذكَر، وانخفضت نسبة الحجوزات بداية الشهر الماضي بسبب الأوضاع الأمنية”. وتعليقاً على التفاؤل الذي يبديه عبّود، لفت الأشقر النظر إلى وجود “تفاوت بين قطاع وآخر. ففي الوقت الذي يعاني فيه قطاع الفنادق والشقق السكنية، هناك حركة مقبولة نسبياً في قطاع المطاعم ووكالات السفر، ويعود ذلك إلى أن المؤسسات المتخصصة بالسفر غيرت من آليات عملها، وباتت تجهّز مجموعات سياحية إلى الخارج”.
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطاع الفنادق خصوصاً، ومن القطاع السياحي عموماً، يطرح الأشقر ضرورة التركيز على “اللامركزية السياحية”، والتي تستند على تعزيز حركة السياحة في كل المناطق اللبنانية. ولهذا الغرض، نظَّم الأشقر يوم الإثنين 4 كانون الأول “طاولة مستديرة”، بمشاركة منظمات لإدارة الوجهات السياحية في جزين، دير الأحمر، الشوف، البترون، جبيل، المتن، ومجموعات من أصحاب مصالح سياحية في مناطق مختلفة في لبنان منها إهدن، طرابلس والبقاع الغربي.
وخلص المجتمعون إلى ضرورة “توسع الخريطة السياحية لتشمل جميع مناطق لبنان، بالتعاون مع المنظمات الدولية”. وتضمّنت التوصيات “التوجه إلى السلطات الوطنية في تنفيذ تدابير فعّالة لتحقيق اللامركزية السياحية. الاتفاق بين منظمات إدارة الوجهات السياحية المناطقية بالقيام بالتسويق كل على حدة، على أن يقوم المجلس الوطني للإنماء السياحي بتسويق لبنان وجميع الوجهات السياحية المناطقية في الخارج. الاتفاق على التركيز على السياحة الداخلية وتصميم رزم سياحية متنوعة مدروسة لجميع اللبنانيين والمقيمين والمغتربين”.
يُجمِع أهل القطاع السياحي على أن المغتربين اليوم هم لاعب أساسي في تحريك عجلة نمو القطاع السياحي، في ظل تراجع حركة السياح العرب والأجانب، باستثناء القليل من العراقيين والمصريين والأردنيين. لكن حركة المغتربين لا يمكن التعويل عليها لإحداث فارق واسع في حركة القطاع السياحي. فالمغتربون يفضّلون قضاء العطلة مع الأهل والأصدقاء، وهذا ما يفسّر تنشيط قطاع المطاعم والمقاهي أكثر من غيره من القطاعات الأخرى.