الشامي يُحذّر من خطورة اقتراض الحكومة من مصرف لبنان

ارسل نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال سعادة الشامي كتابا الى مجلس الوزراء ورئيسه نجيب ميقاتي موضوعه حاكمية مصرف لبنان ومطالب نواب الحاكم، واشار فيه الى الكتاب الذي تقدّم به نواب حاكم مصرف لبنان إلى لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب، مؤكداً انه يشاطر نواب الحاكم الرأي حول ضرورة إقرار مشاريع القوانين المدرجة في كتابهم وهي القوانين نفسها التي أعدتها الحكومة وأرسلتها إلى مجلس النواب، وهي مطلوبة من أجل الوصول إلى الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي. كما أكد الشامي موافقته تماماً على ضرورة إلغاء «منصة» صيرفة واستبدالها بمنصة الكترونية تتمتع بالشفافية اللازمة وكذلك السير في توحيد سعر الصرف. كل هذه المطالب تصب في خدمة برنامج التصحيح الاقتصادي والمالي، برأيه. وجاء في الكتاب ايضا ما يلي:

بارقة أمل

إني أقدر جيداً إصرار نواب الحاكم على إقرار جميع مشاريع القوانين هذه، كما أني أتفهم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذه الظروف الصعبة والتركة الكبيرة التي عليهم التعامل معها. ولكن قد تشكل هذه الفرصة بارقة أمل لوضع الأسس الصحيحة للسياسة النقدية وإرساء مبدأ الاستقلالية التامة للسلطة النقدية بعيداً كل البعد عن السياسة والمصالح الفئوية الضيقة. صحيح أنّ المهمة صعبة وتحتاج الى قرارات قاسية ومعالجة في العمق وحلولاً قد تكون غير شعوبية ولكن آن الأوان لمصارحة الناس بالحقيقة.

في هذا الإطار، وبينما أتفق مع معظم المطالب الواردة في الكتاب المذكور، إلاّ انه لدي الملاحظات التالية وخاصة تلك التي تتعلق باستقراض الحكومة من مصرف لبنان:

إستدامة الدين العام

أولاً، إن أحد أهم أهداف برنامج الحكومة الاقتصادي والمالي هو تحقيق استدامة الدين العام من خلال تخفيض نسبته بالنسبة للناتج المحلي. تجدر الإشارة والتذكير الى أن أحد أسباب الأزمة التي نعاني منها اليوم هو ارتفاع الدين العام بشكل كبير ممّا أدى الى تعثر لبنان عن خدمته. إن إضافة 1.2 مليار دولار لمدة ستة أشهر وبمعدل 200 مليون دولار شهرياَ – كما هو وارد في كتاب نواب الحاكم – على الدين العام يشكل حوالى 6% من الناتج المحلي وهي زيادة كبيرة تتعارض مع خطة الحكومة.

صعوبة رد المبلغ

ثانياً، ليس هناك من إمكانية للدولة بأن ترد المبلغ المقترض حتى في المدى المتوسط. فالموازنة في وضع صعب والمبلغ المطلوب يشكل قسماً كبيراً من إيرادات الموازنة السنوية (المقدرة بحوالى 1.6 مليار دولار في الموازنة أو حوالى 800 مليون في ستة أشهر) وإمكانية زيادة الإيرادات بشكل كبير وفي وقت قصير صعبة المنال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وحتى لو كان ذلك ممكناً في المدى المنظور فالحاجة للاتفاق على القطاعات الاجتماعية (مثل الصحة والتعليم) والبنى التحتية هي ضرورية جداً وخاصة للفئات المهمشة تجعل من الصعب أن تسدد الحكومة القرض في وقت قريب وتهدد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لخطة الحكومة.

على حساب المودعين

ثالثاً، في حال لم تتمكن الدولة من سداد القرض في المستقبل القريب، وهذا هو المرجح، فسيكون ذلك على حساب ما تبقى من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان وعلى حساب المودعين الذين يعانون من عدم قدرتهم على الحصول إلا على جزء بسيط من أموالهم. إن دعم الأجور في القطاع العام ليس من صلاحية السلطة النقدية وهو بمثابة تحويل من المودعين إلى العاملين في القطاع العام. وبالمناسبة فان ما يتقاضاه العاملون في القطاع العام هو الفرق بين سعر صيرفة وسعر السوق والذي انخفض الى حوالى 8% تستفيد منها المصارف بحوالى النصف والنصف الباقي يذهب الى الموظفين. إن التعويض عن هذه الخسارة الصغيرة وزيادة الأجور في القطاع العام يجب أن يتأتى من زيادة ايرادات الموازنة العامة دون المساس بالودائع المتبقية. فزيادة الإيرادات تسمح بتحسين وضع العاملين في القطاع العام دون أن يؤدي ذلك إلى مزيد من السيولة والضغط على سعر الصرف ومستوى التضخم.

خسارة الأهداف المرجوة

رابعاً، إذا استثنينا موضوع الأجور، فيبقى الهدف الأساسي من هذه المطالب هو تجنب الانخفاض في سعر الصرف. ولكن إذا لم تقر الإصلاحات الأخرى في الوقت المطلوب، فإنّ ذلك سيؤدي إلى خسارة المبلغ المقترض دون تحقيق الأهداف المرجوة.

مصرف لبنان مستقل تماماً

خامساً، إن قانون النقد والتسليف يمنح مصرف لبنان الاستقلالية التامة وذلك لإبعاد السياسة عن التدخل في إدارة السلطة النقدية، والتي تخوله أن يمتنع عن تمويل العجز في الموازنة وألاّ يرضخ لأي طلب من أي سياسي كائناً من كان. لا شك أن هذا يتطلب من القيادة الجديدة في هذا المنعطف الصعب إقداماً واستعداداً للابتعاد عن الطبقة السياسية والتصرف بشكل مستقل، مع التركيز على المهام الرئيسية المتعلقة بالسياسة النقدية، دون الدخول في مسائل ليست في نطاق عمل البنك المركزي. أعتقد أن عند القيادة الجديدة الكفاءة والقدرة على ذلك وخاصة أنهم أعلنوا وبصريح العبارة بأنهم سيطبقون القانون بحذافيره ولأنهم يتمتعون بخبرات تكمل بعضها البعض بشكل يساهم في تنفيذ برنامج الحكومة الاقتصادي والمالي الذي مضى على إعداده أكثر من خمسة عشر شهراً دون أن نصل بعد الى تبنّيه بشكل كامل.

ما الحل الأمثل؟

سادساً، إنّ الحل الأفضل وقد يكون الوحيد للأزمة التي نعيشها اليوم هو في إقرار مشاريع القوانين الموجودة في مجلس النواب والإجراءات المطلوبة من مصرف لبنان والتي هي شروط مسبقة لتأمين دخول العملات الاجنبية ودعم احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة بعد الوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي ووضع لبنان على المسار الصحيح.

ضرورة استيقاظ الجميع

أخيراً، من المفارقات ان تنفيذ برنامج الحكومة (والذي يدعي بعض السياسيين و «الخبراء» باطلاً أنه غير موجود ليس لأي سبب بل مجرد كيديّة سياسية) والقيام بالإجراءات المسبقة ومنها توحيد سعر الصرف وتعويمه والتي مضى عليها أكثر من خمسة عشر شهراً من خلال منصة الكترونية دون أي تقدم يذكر لم يلقَ الاهتمام المطلوب سواء من الحكومة أو من مجلس النواب أو من مصرف لبنان إلى أن استيقظ الجميع الآن على غفلة من الزمن على ضرورة تنفيذها وفي وقت قصير جداً. ولكن من الأفضل أن يأتي هذا الاهتمام متأخراً من ألّا يأتي أبداً.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةسوق تأجير السيّارات في عصرها الذهبي
المقالة القادمة“الزراعة” مددت تقديم طلبات تسلم محاصيل القمح حتى 10 آب