الشروع في ترشيد الدعم… أشياء كثيرة ستتغيّر

بات من المؤكّد أنّ ترشيد الدعم سيسبق إقرار البطاقة التمويلية، التي لا يزال مشروعها مُتنقّلا في أروقة مجلس النواب من دون أن يصل الى الهيئة العامة بعد. وستبدأ اولى بوادر الترشيد من المحروقات التي ستُستورد على سعر الـ 3900 ليرة بدل الـ 1500 ليرة، في آلية تمّ التوافق حولها في الاجتماع الذي عُقد في قصر بعبدا، وتخلّله تنسيق هاتفي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.

خير أن يأتي متأخّراً من ألا يأتي أبداً، هكذا تعلّق أوساط مُتابعة على البدء رسمياً في عملية ترشيد الدعم، معتبرة أنّ تعثّر مجلس النواب في اقرار البطاقة التمويلية لأكثر من سنة يشكّل مساراً غير مسؤول ومماطلة غير مفهومة، إلا في إطار المؤامرة على المواطن وعلى المودعين وتقاطع للمصالح بين المماطلين والمهرّبين والمافيات الذين استفادوا من آلية الدعم الشاملة، التي أجهزت على جزء كبير من أموال المودعين قبل أن تصل اليوم الى الصرف من الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان.

هي مرحلة إنتقالية صعبة سيعيشها البلد العالق بين أزمته السيا سية المُستعصية وأزماته الإقتصادية والمالية والمعيشية المُستفحلة، حيث أنّ بدء ترشيد الدعم سينتقل بالأزمة الى مستويات أصعب معيشياً على اللبنانيين، ولكنّه في الوقت عينه مرحلة لا بدّ منها للخروج تدريجياً من النفق وتلمّس بقعة الضوء التي تبقى رهناً بالتوافق السياسي على الحكومة، إنقاذية أتت أو تحضيرية للإنتخابات النيابية.

ولأنّ في الأزمة فرص يُفترض أن تبني أسساً أمتن لإقتصاد المستقبل، فإنّه لا خيار أمام للبنانيين في هذه الفترة سوى التأقلم مع المتغيّرات التي تفرضها المرحلة والتحوّل شيئاً فشيئاً الى نمط عيش مختلف. وليس بعيدا من موجة السخط التي أثارها كلام وزير الطاقة ريمون غجر عن إستعمال “شيء آخر” غير السيارة للتنقّل وسط الإرتفاع المرتقب في أسعار البنزين، فإنّ الواقع الجديد سيحدّ حكماً من استخدام السيارات، وبدل أن يكون لكلّ فرد من الأسرة سيارته الخاصة ستكون سيارة واحدة لكلّ أفراد الأسرة. ولن يعود مُستغرباً أن يتجمّع أفراد العائلة الواحدة أو الجيران أو زملاء العمل ليستقلّوا سيارة واحدة مثلاً ويتقاسموا كلفة التنقّل. وهي ظاهرة معتمدة في دول كثيرة.

ما ينتظرنا باختصار، هو اختلاف جذري في نمط حياتنا التي اعتدناها مرفّهة ولو بالحدّ الأدنى. أمّا الدولة التي فشلت على مدى عقود في تأمين شبكة نقل مشترك لا بل أجهزت عليها على لمصلحة المحتكرين ومافيات المحروقات، فإنّها تقف اليوم على مفترق طرق، فإمّا أن تتّبع نهجاً اصلاحياً جديداً على مختلف الصعد، وإمّا أن نصبح أسرى أزمة تلو الاخرى في دوّامة الفشل الممجوج والمنفّر!

مصدرليبانون فايلز - ميرا جزيني
المادة السابقةالبطاقة‌ ‌التمويلية‌ ‌في‌ ‌حال‌ ‌أُقرت…‌ ‌فضيحة‌ ‌مدوية!‌
المقالة القادمةشبكة سكك الحديد الإماراتية تصل إلى صحاري الخليج