“الشنطة” لا تجذب إلى لبنان 7 مليار دولار سنوياً

أضاع ساسة لبنان 11 مليار دولار في العام 2018، ويحاولون اليوم الانطلاق من 3 مليار دولار لاستعادة مسار إنعاش الاقتصاد وجذب الاستثمارات. إلاّ أنّ الواقع لا يزال يعاند الأحلام، فخسائر لبنان بفعل عدم تطبيق الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر سيدر للحصول على المليارات الأحد عشر، يبدو أنّها ستضاف إلى الخسائر المتراكمة بفعل عدم القدرة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على المليارات الثلاث، وتالياً عدم القدرة على جذب الاستثمارات الحقيقية. إلاّ أنّ التفاؤل يجد مكاناً له لدى الساسة والكثير من رجال الأعمال والمستثمرين اللبنانيين والعرب، وهو ما برزَ خلال مؤتمر “بيروت واحد” الذي عقد تحت عنوان “بيروت تنهض من جديد”. وفي مقابل هذا التفاؤل، يقدّم الواقع ما لديه من إثباتات على أنّ التفاؤل المفرط وسط الظروف الراهنة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، هو أقرب إلى الخيال.

جذب الاستثمارات

تعمل الحكومة عبر وزاراتها، على تحضير الأرضية الملائمة لجذب الاستثمارات بالرغم من الظروف الحالية التي لا تُعتَبَر مناخاً جاذباً للاستثمارات أو بيئة مساعِدة لنموّ الاقتصاد. لكنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون، اعتبر أنّنا “لا نبني المستقبل عندما تهدأ العواصف؛ بل نصنع الهدوء عبر البناء”. ولذلك، بدا عون في مؤتمر “بيروت واحد” متفائلاً بقدرة لبنان على استعادة “دوره الطبيعي لاعباً اقتصادياً وثقافياً، والانفتاح على محيطه العربي والدولي”.

تفاؤل عون أيّده مدير عام الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، فوزي الحنيف، الذي نقلَ في حديث إلى “المدن”، الصورة الإيجابية التي بات ينظر إليها المستثمرون العرب؛ إذ قال: “كعرب اعتقد أنّ المؤتمر يشكّل الانطلاقة، لأنّ الاستثمار واضح وصريح”. وفي نظره، “بناء الثقة ينطلق من اليوم”.

وبدوره، اعتبر وزير التموين والتجارة الداخلية المصري شريف فاروق، في حديث إلى”المدن”، أنّ “المستثمرين المصريين والعرب ستفتح شهيّتهم بعد هذا المؤتمر، لأننا نرى في لبنان فرصاً واعدة خصوصاً بعد الاستقرار والأمن في المنطقة”. ولمزيد من الإيجابية، رأى فاروق أنّ “رؤية الحكومة اللبنانية مبشّرة وتبعث على الأمل وفرص الاستثمار”.

وامتزجَ التفاؤل باستعراض وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط “خطة الحكومة الاستثمارية”، والتي أطلقتها في “القطاعات الأساسية، مثل المياه والطاقة والمواصلات”. والحكومة وفق ما قاله البساط في المؤتمر، وضعت الخطة “للسنوات المقبلة”، وفيها من المشاريع الأساسية ما يسمح بـِ “جذب استثمارات إضافية”، تُوجَّه نحو قطاعات، مثل الزراعة والاتصالات وغيرها. وأشار البساط إلى أنّ الخطة تشمل “243 سياسة عمل تسمح بالانتقال من النظرية إلى التطبيق وتعزيز الاستثمارات الهيكلية. هذه هي الخطوات التي تنقلنا من قصة تدوم فقط على 3 سنوات إلى قصة تدوم إلى 30 عاماً أو أكثر”. وبناءً على سياسات العمل تلك، تهدف الحكومة إلى “زيادة العمل بمجال الزراعة. التحوّل إلى الخدمات الرقمية بنسبة 80 بالمئة. إطلاق مناطق اقتصادية صناعية يمكن أن تشكّل رافعة للصناعات والصادرات اللبنانية. إطلاق خدمات الجيل الخامس 5G وربط 700 ألف أسرة بالفايبر اوبتك. إطلاق عدد أكبر من المعامل الكهرباء التي تعمل على الغاز. عودة لبنان جامعة المناطق العربية ومستشفاها… والكثير من المشاريع”.

وانطلاقاً من هذا التفاؤل، وجدَ البساط أنّ المؤتمر يشكّل “مسار بداية كسر الجمود، وإطلاق عودة المستثمرين الدوليين، وفي طليعتهم الأشقاء العرب بعد سنوات من الانقطاع والصمت الاقتصادي”.

الحاجة للإصلاحات

التفاؤل المعلَن يصطدم بواقع لا يمكن تجاوزه بالنوايا الحسنة داخل المؤتمرات الرسمية، فاستعادة الاقتصاد “لن يبدأ سوى عبر الاستثمارات الكبيرة التي ستفتح الإصلاحات المجال أمامها”، والتي بدورها “ستنقلنا إلى مستوىً آخر”. ولذلك، أكّد البساط أنّ الحكومة التزمت بالإصلاحات “وما إن تبدأ سيكون هناك تحوّل كبير نشهده بحلول أشهر قليلة”.

لكن الإصلاحات الحقيقية لم تبدأ بعد، ووفق البساط “نحن في حاجة إلى 7 مليارات دولار سنوياً على مدى 10 سنوات لنخلق هذا التحوّل الذي نرغب به. وجزء من هذا الاستثمار ينبغي أن يأتي من القطاع العام الذي عليه إطلاق الإنفاق العام ليتمكن من جذب القطاع الخاص”. وبالتالي “نحن بحاجة لإعادة هيكلة قطاعات الطاقة، الكهرباء، المواصلات، الاتصالات… وغيرها، من أجل إطلاق العمل في القطاع الخاص”.

اقتصاد “الشنطة” لا يزال قائماً

من الجيّد البدء من مكان ما، ما دامت النية هي جذب الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد، وجزء من العمل الإيجابي للحكومة، بنظر أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، خليل جبارة الذي أكّد لـِ “المدن” أنّه “من الجيّد أن تنعقد المؤتمرات قبل انتظار انتهاء الأزمات، وهذا أمر إيجابي، لكن هل الهدف هو عقد المؤتمرات والتذكير بأنّ هناك اهتماماً عربياً بلبنان؟”.

يؤيّد جبارة تركيز المؤتمر على الإصلاحات المطلوبة لجذب الاستثمارات، وهذا يؤكّد أنّ “الاستثمارات تأتي بعد الإصلاحات”. ولذلك، بالنسبة لجبارة “لا نستطيع الحديث عن استثمارات ونهضة لبيروت، بدون معالجة ثلاث نقاط أساسية هي لجم الاقتصاد النقدي، إحياء القطاع المصرفي، وإجراء إصلاحات هيكلية تحقّق المنافسة، وتعزّز دور القطاع الخاص”. فبرأي جبارة “الاستثمارات لا تأتي بالشنطة (الحقيبة) في ظل الاقتصاد النقدي؛ بل عبر التحويلات المصرفية، والمستثمرون اليوم لا ثقة لديهم بالقطاع المصرفي”.

حتى الآن لم تعمل السلطة السياسية والقطاع المصرفي على إعادة الثقة للقطاع؛ إذ لا يزال السجال حاداً على مسألة توزيع الخسائر ومَن يتحمّلها، وهو سجال يؤخّر عودة القطاع المصرفي إلى نشاطه ودوره في تمويل القطاع الخاص، ويهدّد ثقة المستثمرين به. وعليه، تبقى محاولات الطمأنة “هروباً إلى الأمام”، وفق توصيف جبارة.

مؤتمر بيروت الذي يحمل صورة إيجابية عن قدرة لبنان على استعادة دوره وجذب المستثمرين “ليس بأهمية مؤتمر سيدر الذي شارك به عرب وأجانب، ووعدت خلاله الحكومة بإجراء الإصلاحات للحصول على 11 مليار دولار، ولم يحصل شيء. واليوم نضع العربة أمام الحصان ونتحدّث عن استثمارات وقطاع خاص، بلا قطاع مصرفي”.

يشكّل المؤتمر بالرغم من كل النقاشات، فرصة لجمع المؤسسات اللبنانية والعربية والدولية في لبنان وسط الظروف الراهنة. ويبدو أنّ التفاؤل موجود ويستدلّ عليه من الجهات والشخصيات التي حضرت إلى بيروت. وفي الوقت نفسه، إنّ وجود هؤلاء يفترض أن يشكِّل ضغطاً إضافياً على السلطة السياسية والقطاع المصرفي، لكسر الجمود، والانتقال إلى خطوات إصلاحية فعلية.

ومن الشخصيات والمؤسسات التي تشارك في مؤتمر “بيروت واحد” الذي ينعقد في 18 و19 تشرين الثاني الجاري، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، عثمان ديون، المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية، خواجة أفتاب أحمد، وزيرة دولة بوزارة الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، نورة بنت محمد الكعبي، وعدد من الوزراء منهم وزير المالية ياسين جابر، وزير الاتصالات شارل الحاج، إلى جانب رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس، فضلاً عن أكثر من 32 مؤسسة حكومية وخاصة، منها البنك الدولي، World Bank، Abu Dhabi Investment Authority، Arab Fund for Social and Economic Development، شركة CMA CGM، Goldman Sachs، Gray MacKenzie، The Arab Investment & Export Credit Guarantee Corporation.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةأصحاب المصارف المأزومة: أرباح تكبر ورساميل تتضخّم
المقالة القادمةمطالب عمالية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1000 دولار