أثبت الصناعي اللبناني، بعزيمته وإصراره على مجابهة التحديات، قدرته على الاستمرار وتطوير اعماله رغم الظروف الصعبة وغياب ايّ دعم او مساندة، سوى دعم الفوائد، ورغم الأزمات الإقليمية المحيطة والأزمات المحلية.
وفي قراءة جديدة لدور الصناعة في تحريك الاقتصاد نرى ما يلي:
انّ الصناعة اللبنانية تحرّك الاقتصاد برمّته، والقطاع الزراعي ايضاً في الصناعات الغذائية. وهي قادرة ايضاً على خلق فرص عمل مستدامة، وعلى سبيل المثال قطاع الويفر، حيث إنّ كل مصنع ويفر هو بحدّ ذاته منظومة إقتصادية مصغّرة تفتح فرص عمل للعاملين فيها من مدراء وعمال وأخصائيين وعمال صيانه وتقنيي برمجة وتفعّل عمل ومصارف وشركات التأمين وشركات النقل. ولكلّ مصنع جهاز المبيعات وجهاز محاسبة ومدقق حسابات ومحام وطبيب، كما أنه يستدعي شراء آلات ويتطلب صيانة من شركات الصيانة وكذلك خدمات اعلانية واعلامية. إنّ هذه المنظومة لا تتوقف على حركة داخلية بل إنّ مصنع الويفر يستلزم شراء مواد تُستورد مثل الكاكاو ومواد حافظة عبر تجار مستوردين. بالاضافة الى هذه المنظومة فانّ كل مصنع ويفر بحاجة الى مواد أوّلية تُصنع في لبنان (سكر، دقيق، زيت وملح..) وبدوره كل من هذه المصانع يخلق منظومة مصغّرة على غرار معمل الويفر، كما انّ صناعة الويفر تقوم بتشغيل 7 مصانع في قطاعات التغليف ومنها صناعة Flexible Packaging والتي بدورها تستدعي استيراد أفلام الـLamination وربما الاحبار وبعض المواد اللاصقة وعلب كرتون صغيرة وكلها تستدعي مصانع عدة تعمل في القطاع، وبدورها تشتري الواح الكرتون الـFolding Box Board من صناعة لبنانية وتوضع هذه العلبة الصغيرة في صناديق كرتون مضلّع تصنع في لبنان حيث يوجد 5 مصانع، وحيث تُصنع مواد الورق من مواد تدويرها في لبنان وهي بحاجة الى احبار ومواد تلزيق مصنّعة محلياً.
إنّ الجدول يوجز المواد التي تستدعيها استيراداً كل هذه الحلقات، وبالتالي انّ صناعة الويفر تستدعي استيراد سلع من قبل 40 تاجراً مستورداً وكل ذلك بالاضافة الى حلقة التوزيع التي تستلزمها، وكذلك فإنّ صناعيّي الويفر يعملون على منظومة يحرّكها الصناعي اللبناني ولا يقتصر عملها على الصناعة بل إنها تحرك كل القطاعات وبالتحديد التجارة والاستيراد.
وانّ مليون دولار من الويفر التي يمكن تصنيعها محلياً تبقي النقد النادر بنسبة 70% في لبنان وتحرك الاقتصاد، بينما اذا استوردناها فإنّ 80% من هذا المبلغ يذهب الى الخارج وبالنقد النادر، و20% يبقى في لبنان. ومن هنا ضرورة إيلاء كل الاهتمام بالصناعة اللبنانية، خصوصاً انّ هنالك 11 مصنعاً لقطاع الويفر لدى كل منها بين 25 و 420 عاملاً وبالتالي فإنّ عدد العاملين في هذا القطاع هو حوالى 1000 عامل، كما انّ المنظومة بكاملها تحرك 6600 فرصة عمل. من هنا ضرورة السماح للصناعة اللبنانية بإكمال مسيرتها خصوصاً انّ الصناعيين اللبنانيين في هذا القطاع تحديداً ناجحون حول العالم انما
يصطدمون في لبنان بإستيراد إغراقي من بعض البلدان التي تدعم صادراتها ومن هنا ضرورة المعالجة.
إنّ شراء المنتج اللبناني يساهم في تعزيز الإقتصاد اللبناني بنسبة تراوح 40% إلى 60% بينما عند شراء المنتجات الأجنبية تخرج النقود (بالعملة الأجنبية) إلى الخارج، علماً انّ جودة المنتجات اللبنانية تضاهي جودة السلع الأجنبية.
إنّ تصنيع الويفر محلياً يساهم في تشغيل 11 مصنعاً محلياً وعدد كبير من التجار والموردين, توجد عدة مصانع لبنانية لإنتاج البسكويت والويفر في لبنان وهي تشغل مباشرة حوالى 1000 مواطن لبناني وتشغل بطريقة غير مباشرة حوالى 6000 مواطن من بين مصانع ومحال ومؤسسات ومصارف الخ…. عوضاً عن ما يؤدّي هؤلاء من ضرائب للدولة اللبنانية وبالتالي ما لذلك من إفادة للدورة الاقتصادية وازدهارها، كل ذلك مقابل الكمّ التشغيلي المنخفض الذي يؤمّنه المستوردون.
بإمكان المصانع اللبنانية المذكورة أن تزيد من قدرتها التشغيلية والإنتاجية بجودة عالية لولا تزايد الواردات الإغراقية الى لبنان. ناهيك عن تأثير هذه الواردات السلبي على قيام المصانع المنشأة حديثاً، وإمكانية استمرارها في ظلّ التزايد المذكور. فأين المجال للصناعة لكي تزدهر وتلبّي الحاجات المحلية وتتوجّه بدورها الى التصدير؟
إنّ جمعية الصناعيين لا تطالب بمنع الاستيراد او فرض حماية عشوائية، بل تطالب بردع ومنع الإغراق عبر وضع رسوم جمركية نسبية مقطوعة عملاً بما تقتضيه منظمة التجارة العالمية اوعبر الرسوم النوعية التي تحمي الصناعة المحلية، عبر تدبير تسميه بالحمايات الوقائية التي من هدفها المحافظة على الصناعة الوطنية في ظل منظومة التجارة العالمية، حيث إنّ التجارة العالمية هي تجارة بين شركاء لا يقوم بعضهم بدعم صناعتهم مثلما هي الحال في السلع المستوردة أو بتخفيض الأكلاف من طاقة ونقل وغيرها او بالاثنين معاً». كما تطالب بمعالجة الأوضاع مع البلدان التي تقوم بدعم صناعتها على كل المستويات وقد فاقم الوضع تدهور سعر صرف العملات لديها ما يشكّل خطراً على الصناعة الوطنية.