أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2014 أن تطوير السيارات الكهربائية هو الطريقة الوحيدة التي تمكّن بلاده من أن تتحوّل من دولة سيارات كبيرة إلى قوة سيارات. ومنذ ذلك الوقت، تسعى الصين لتطوير صناعة السيارات الكهربائية وتضع الخطط الشاملة لتحقيق هذا الهدف.
بالفعل، نجحت الصين في تحقيق ذلك، وهي اليوم أكبر دولة منتجة للسيارات الكهربائية في العالم، وأكبر سوق للسيارات الكهربائية، إذ تمثل 53% من الحصة العالمية. وتتوقع أن تشكل السيارات الكهربائية 60% من جميع مبيعات السيارات الجديدة في البلاد بحلول 2035، ما يدل على أن الطلب على هذه المركبات سيستمر في الارتفاع.
وهناك أسباب عدة ساهمت في تصدر الصين قطاع السيارات الكهربائية، فالحكومة الصينية قدمت إعانات حكومية وإعفاءات ضريبية لدعم هذا القطاع. ومؤخراً، أطلقت الصين حزمة إعفاءات ضريبية بقيمة 723 مليار دولار على مدى 4 سنوات للسيارات الكهربائية وغيرها من السيارات الصديقة للبيئة.
وقد عزّزت الحكومة الصينية إنشاء البنية التحتية الخاصة بالمركبات الكهربائية، وشجعت المواطنين على شراء هذا النوع من السيارات. وتخطط الصين لجعل جميع السيارات الجديدة المبيعة عام 2035 صديقة للبيئة. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا الشهر، احتلت بكين المرتبة الأولى بين أكبر مصدري السيارات الكهربائية في العالم.
حددت الصين العام 2025 لكي تشكّل فيه المركبات بالطاقة المتجددة 20% من إجمالي السيارات الجديدة، ولكن في العام 2022 بلغت نسبة السيارات بالطاقة الجديدة أكثر من 6 ملايين سيارة، بزيادة سنوية قدرها 93%، وشكلت مبيعات مركبات الطاقة الجديدة 25.6% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة. وبذلك، تم الانتهاء من هدف التخطيط لعام 2025 قبل الموعد المحدد بثلاث سنوات.
ومع الدعم الحكومي للشركات الصينية المتخصصة في صناعة المركبات الكهربائية، حظيت 15 شركة صينية من بين أفضل 25 علامة تجارية عالمية مبيعاً للسيارات الكهربائية عام 2022، واحتلت شركة “BYD” المرتبة الأولى من حيث المبيعات، إذ باعت 1.85 مليون سيارة كهربائية وهجينة عام 2022، بزيادة قدرها 211% على أساس سنوي، ما جعلها تتقدم بفارق كبير عن شركة “تسلا” بـ1.31 مليون وحدة.
تحول الدول العربية نحو السيارات الكهربائية
مع ارتفاع أسعار المحروقات واتجاه الدول العربية نحو خفض الانبعاثات الدفيئة، تسارع دول المنطقة نحو السيارات الكهربائية وتقدم الحوافز لمواطنيها لاستخدام هذا النوع من السيارات. وتتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة دول المنطقة في استخدام السيارات الكهربائية، كما أن معدل شحن المركبات الكهربائية في الإمارات من بين الأعلى على مستوى العالم.
أما السعودية، فقد أعطت صناعة السيارات الكهربائية حيزاً كبيراً في خطة التنويع الاقتصادي (رؤية 2030)، إذ عمدت إلى ضخ المليارات لإنشاء مراكز لتصنيع السيارات الكهربائية بهدف إنتاج 500 ألف وحدة سنوياً بحلول عام 2030.
وقد بدأت مؤخراً بإعطاء التراخيص لشركاتها كي تصنع السيارات الكهربائية، فقد حصلت شركة “سير” السعودية على ترخيص صناعي لإقامة منشأة تصنيع السيارات الكهربائية، ومن المقرر بيع سيارتها الكهربائية بحلول عام 2025، ومن المقرر أيضاً أن تنتج شركة “سمو القابضة” أول سيارتها الكهربائية خلال فترة 12 إلى 18 شهراً.
وتبدي سلطنة عمان اهتماماً كبيراً وواضحاً بصناعة السيارات الكهربائية، باعتبارها تمثل أحد قطاعات التنويع الاقتصادي، ومرتكزاً أساسياً للوصول إلى الحياد الكربوني في السلطنة عام 2050. لذلك، أطلقت برنامجاً لخفض الانبعاثات في قطاع النقل يستهدف في مرحلته الأولى الوصول إلى 7 آلاف سيارة كهربائية بحلول عام 2030، ومن ثم زيادة هذه النسبة حتى 2050.
وتشجيعاً من الحكومة العمانية لمواطنيها على استخدام السيارات الكهربائية، أعلنت أنها ستقدم عدداً من الحوافز والتسهيلات الجمركية والضريبية لتشجيع اقتناء السيارات الكهربائية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد ابتداء من تموز/يوليو الحالي.
ويشهد سوق السيارات الكهربائية في الكويت ومصر مرحلة نمو كبيرة انطلاقاً من رؤية الكويت لعام 2030 ورؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة. وعلى خطى هذه الدول، قام المغرب أيضاً بتحفيز مواطنيه على شراء السيارات الكهربائية من خلال عدد من الإجراءات، من بينها تقديم إعفاءات على الرسوم الجمركية وإلغاء الضريبة السنوية على هذا النوع من السيارات، مع العمل على توفير البيئة التحتية للشحن الكهربائي.
ويسعى المغرب إلى أن يكون مصنعاً لصناعة البطاريات الخاصة بالسيارات الكهربائية، ويساعده في ذلك غناه بالمعادن الطبيعية، ولا سيما الليثيوم والكوبالت، العنصرين الأساسيين لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي الأردن، يشهد قطاع السيارات الكهربائية توسعاً كبيراً مع سعي المملكة لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 31% بحلول 2030 وارتفاع أسعار المحروقات فيها. وقد بلغ عدد السيارات الكهربائية في الأردن خلال العام 2022 أكثر من 16 ألف سيارة.
ومنذ بداية 2023، كانت السيارات الكهربائية هي الأكثر مبيعاً في الأردن. وقد تميزت قطر بأنها احتضنت مونديال 2022، أول بطولة صديقة للبيئة في تاريخ كرة القدم، واتخذت الحكومة القطرية العديد من الإجراءات لجعل المونديال صديقاً للبيئة، من بينها استخدام أسطول للبيئة من الحافلات الكهربائية لنقل المشجعين واللاعبين.
تعاون الصين والدول العربية في صناعة السيارات الكهربائية
لم تعد الدول العربية تكتفي باستيراد السيارات الصينية، بل تشهد المنطقة حركة باتجاه تصنيعها، فقد وقعت هيئة مواصلات الإمارات عام 2021 مذكرة تفاهم مع شركة هندسة الماكينات الصينية “CMEC” تمهيداً لإنتاج المركبات الكهربائية، واستحوذت حكومة أبو ظبي على حصة 7% من شركة “NIO” الصينية، ما يخولها ترشيح شخص لعضوية مجلس إدارة الشركة.
وفي العام الماضي، تم تجريب “سيارة طائرة” من صنع شركة “أكس بنغ” الصينية للسيارات الكهربائية في الإمارات، وهي سيارة كهربائية بالكامل، وتقوم شركة “NWTN” الصينية لتصنيع السيارات الكهربائية بإقامة منشأة جديدة لإنتاج السيارات الكهربائية في أبو ظبي.
وفي مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين الذي عقد في الرياض أواخر الشهر الماضي، وقعت السعودية والصين اتفاقية بقيمة 5.6 مليارات دولار لإنشاء مشروع مشترك لأبحاث المركبات الكهربائية وتطويرها وتصنيعها وبيعها. وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض العام الماضي، اختارت شركة “سمو القابضة” السعودية شركة “EMI” الصينية شريكاً لإنشاء مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية.
ويعمل المغرب على تدشين أول مصنع ضخم في أفريقيا لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. ومع التزام قطر بخفض انبعاثات الكربون في مونديال قطر 2022، اتفقت الدوحة مع بكين على تزويدها بمركبات صديقة للبيئة لكأس العام.
هناك رغبة حقيقة لدى بعض دول المنطقة العربية، ولا سيما دول الخليج التي تخصص المليارات لقطاع السيارات الكهربائية، في أن تصبح رائدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية. وقد وجدت في الصين الخيار المثالي للتعاون معها في مجال المركبات الكهربائية، ولكن العالم اليوم يشهد تنافساً على المصادر الطبيعية، كالليثيوم والكوبالت، فهل تدخل الدول العربية، ولاسيما الخليجية، في المنافسة على صناعة البطاريات الكهربائية؟