وصل البحث المستفيض في أزمة الطوابع المالية منذ وقوعها فريسة سماسرة السوق السوداء، إلى قناعات مشتركة في جلسة لجنة المال والموازنة النيابية، التي انعقدت يوم الأربعاء الماضي، بضرورة التخلي عن الطابع الورقي.
إلا أن اللجنة التي اجتمعت بحضور وزير المال، لم تتوصل إلى مقاربة مشتركة، حول الآلية التي يجب اتباعها للانتقال إلى مرحلة اعتماد الطابع الإلكتروني، وما إذا كان لبنان مهيأ فعلاً لمثل هذا التحول الرقمي بظل واقع إداري غير ممكنن.
ورغم إعلان رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان، إثر الجلسة “إقرار مبدأ اعتماد الطابع الإلكتروني”، بدا واضحاً من خلال استعراض بعض الآراء، عدم التوصل لمفهوم واحد حول تعريف الطابع الإلكتروني أولاً، وما إذا كان وقف التعامل بالطابع الورقي يجب أن يسبق عملية المكننة، حتى لا تخسر الدولة وارداتها، أم يتبعها ويواكبها. وهذا ما أبقى النقاش مفتوحاً لجلسة أخرى، يفترض أن تقدم وزارة المالية خلالها خطتها، والتي بات واضحاً أنها ستعتمد على تجهيزات POS MACHINE تتيح تسديد رسوم الطوابع على شكل رموز استجابة سريعة، أو ما يعرف بـQR CODE، تلصق على المعاملات قبل تقديمها بدلاً من الطابع الورقي التقليدي.
مرحلة انتقالية
تتجه وزارة المالية لإرساء هذا الخيار في مرحلة انتقالية ستمتد ثلاث سنوات، وفقاً لدفتر شروط تلزيم معروض أمام الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة، برئاسة القاضية نيللي أبي يونس، وسط مخاوف تعرب عنها النائبة غادة أيوب، من أن يكون المطروح مجرد محاولة تحول من شكل احتكار إلى آخر، خصوصاً أن المقترح الأول تضمن وفقاً للمعلومات مشاركة الدولة بنسبة مئوية من الرسم تصل إلى خمسة في المئة، من دون أن يؤمن انتقالاً فعلياً إلى الطابع الإلكتروني، إذ أن الـPOS MACHINE هو في الواقع آلة طباعة PRINTER تمنح الرسم المدفوع إلكترونياً QR CODE يطبع على ورقة، ولا أحد ضامناً لعدم تزويره. ومن هنا توضح أيوب أن اجتماع لجنة المال انتهى “إلى طلب تعريف واضح للطابع الإلكتروني، حتى لا يأخذنا أحد إلى POS MACHINE ليقنعنا أنه طابع”.
في المقابل، تبدي القاضية أبي يونس بعد اطلاعها على المعطيات المتوفرة لدى وزارة المالية لاعتماد نظام الـPOS الذي قيل انه معتمد في بعض دول أوروبا، ترحيباً بالذهاب إلى مرحلة اختبارية له، مع استعداد لتدخل الديوان عند أي إساءة استخدام لهذا النظام. على أن يواكب ذلك الانطلاق بورشة مكننة الإدارة.
تلزيم تقنية الـPOS
علمت “المدن” أن دفتر شروط تلزيم تقنية الـPOS المقترحة، كان مدار بحث موسع بين الغرفة الرابعة للديوان وفريق من معدّيه في وزارة المالية، انتهى يوم الأربعاء الماضي إلى وضع ملاحظات. وشددت أبي يونس في حديث لـ”المدن” على حرصها أن تحفظ مصلحة الخزينة العامة، وعلى أن لا يتضمن التلزيم أي نوع من الشراكة في الإيرادات المخصصة للدولة.
ومع أن هذه المذاكرات تزامنت مع دراسة اقتراح قانون وضع على طاولة لجنة المال والموازنة لإلغاء الطابع الورقي، بدا واضحاً أن مساره منفصل كلياً عنه، خصوصاً أن إقرار إقتراح القانون المقدّم مرتبط بفتح قاعات مجلس النواب للتشريع، وهذا أمر غير متاح حالياً. ما يبرر عرض ملف تلزيم جديد لطباعة 75 مليون طابع ورقي على الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة، حتى لو أبرزت وزارة المالية توجها تدريجياً للتخلي عن هذا الطابع من ضمن مشروع الموازنة العامة الذي أعدته للعام 2025.
ليس ديوان المحاسبة -الذي يتمتع بسلطة الرقابة المسبقة على صفقات وزارة المالية- معنياً بالطبع بدراسة دفاتر الشروط، إلا أن دراسة دفتر شروط تلزيم الطابع الإلكتروني تحديداً، ينطلق وفقاً للقاضية أبي يونس من حس بالمسؤولية يتطلب تضافر الجهود، لتدارك مزيد من إضاعة الوقت في هذا الملف، والذي يخلف أعباءً كبيرة على المواطنين. وهذا ما يجعل الديوان عبر غرفته الرابعة كمن يسدي خدمة للإدارة، لتمكينها من بلوغ دفتر شروط مقبول على مستوى حفظ حقوق الدولة، ولا يكون مفصّلاً على قياسات شركات محددة.
بين “المال” وديوان المحاسبة
أمران يتفق عليهما أعضاء اللجنة النيابية مع وزارة المالية وديوان المحاسبة. الأول: أن نظام الطابع الورقي أصبح “موديلاً” بائداً في معظم بلدان العالم. والثاني: أن إطلاق الطابع الإلكتروني يجب أن يواكبه مكننة الإدارة، حتى يتمكن المواطنون من إنجاز معاملاتهم إلكترونياً.
يذكر النائب كنعان في اتصال مع “المدن” أن استخدام الطابع الإلكتروني أقر من ضمن موازنة العام 2022، وجرى التأكيد عليه في الموازنات اللاحقة. وبرأيه “أننا إذا لم نتحرك للضغط على المعنيين لن يفعلوا شيئاً، ومن هنا توجهنا من خلال دراسة إقتراح القانون المقدم من أجل إلغاء الطابع الورقي، كي نلزم الدولة على الانتقال إلى الطابع الإلكتروني، ولكن ذلك يجب أن يترافق مع فترة انتقالية حتى لا نصدم الإدارة بوقف واردات الطابع بشكل كبير، حتى لو كانت رغبة مقدمي اقتراح القانون التوقف فوراً عن إصدار الطابع الورقي وإلغاءه”.
ويشير كنعان إلى أن “لجنة المال والموازنة طلبت من وزارة المالية إطلاعها على دفتر الشروط الذي تطرحه لتلزيم “الطابع الإلكتروني”، وعلى مواصفاته الموضوعة، وذلك للتأكد من كونه يراعي أصول الشفافية والابتعاد عن الاحتكار.
وترى القاضية أبي يونس أن من يدافعون عن الطابع الورقي يخفون مصالح المتضررين من إلغائه والمحتكرين والمتعاونين معهم. علماً أن الغرفة الرابعة برئاستها كانت قد أصدرت تقريراً مفصلاً حول السمسرات التي أحاطت بعمليات بيع وشراء الطوابع الورقية، لتستتبع تقريرها بتحقيقات مفصلة حول المتورطين بعملياتها. وفي هذا الإطار أكدت أبي يونس لـ”المدن” أنها ستباشر باستدعاء هؤلاء في وقت قريب، متمنية على المدعي العام التمييزي أن يتحرك أيضاً بناءاً لجداول المتورطين التي أرسلها الديوان إليه لملاحقتهم.
خسارة إيرادات الطوابع
مبدأ المحاسبة يبدو محسوماً ومحتماً أيضاً وفقا للنائبة أيوب، المتابعة عن كثب لملف الطوابع. وإذ تؤكد أيوب على ضرورة الانتقال إلى الطابع الإلكتروني، ترفض في المقابل مبدأ إلغاء الطابع الورقي فوراً، لأن ذلك سيرتب خسارة واردات بقيمة 125 مليون دولار، وفقاً لموازنة 2024، وربما أكثر بقليل في موازنة 2025. ومن هنا تقول “لا يمكن فجأة أن نتخلى عن إيرادات الطوابع، ونحن غير عالمين بموعد التحول إلى المكننة، وفي يقيننا أن المعاملات لن تصبح ممكننة لا في سنتين ولا ثلاث”.
وتعتبر أيوب أن المسار الذي يجب أن تسلكه الإدارة واضح، ويبدأ أقله بتوفير الطابع الإلكتروني على المعاملات التي هي ممكننة حالياً، مع تفصيل أنواع الطوابع وقيمتها التي يمكن الاستعاضة عنها مباشرة بالطابع الإلكتروني، والطوابع الأخرى التي يتطلب تحويلها إلى إلكترونية لفترة انتقالية. أما ما يصعب مكننته حالياً فيمكن أن تسدد رسومه بموجب إيصال مالي، علماً ان هذا الأمر مدرج من ضمن موازنة العام 2025 ومن دون أي كلفة إضافية تفرض عبر تلزيمات لا نعرف على قياس من تفصل.
وتخشى أيوب من أن يكون هناك من يحاول أن يستغل وجع الناس ونيّة حسنة لدى بعض النواب، لتكرار ما اعتادوه من عمليات محاصصة. وهذا ما ينقلنا وفقاً لما دوّنه النائب رازي الحاج إثر اجتماع لجنة المال والموازنة “من تحت الدلفة لتحت المزراب”.