لسبب في نفس “يعقوب” الطاقة، يستمر إغفال إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، لمصلحة المعالجات المرحلية المكلفة وغير المستدامة. فمع تدني الانتاج إلى أقل من 800 ميغاواط، في ظل العجز عن تأمين الفيول أويل في المديين القريب والمتوسط لتشغيل المعامل الحرارية ورفع الانتاج إلى حوالى 1700 ميغاواط برزت ثلاثة حلول: الأول، شراء مليون طن (7 ملايين برميل) من النفط الأسود العراقي واستبداله بحاجة المعامل من الفيول والديزل أويل والغاز أويل. هذا الحل المزعوم يرفع التغذية بمعدل 4 إلى 6 ساعات يومياً لمدة 4 أشهر وبكلفة قد تصل إلى 500 مليون دولار. الثاني، استقدام النفط الإيراني لاستمرار توليد الكهرباء من المولدات الخاصة، بكلفة 3000 ليرة للكيلواط ساعة. فيما الكلفة السياسية لمثل هذه الخطوة، مع ما يمكن أن تكبّدها للبلد من عقوبات إقتصادية ومزيد من العزلة كبيرة جداً. الثالث، استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. هذا الحل العملي الذي يعتبر الأكثر ملاءمة قد يصطدم بمعوقات سياسية، تتعلق بالعلاقة مع سوريا، وبمشاكل تقنية تتمثل بعدم القدرة على استجرار كامل الحاجة من الكهرباء. كما أن الغاز المصري لن يصل في المرحلة الأولى إلإ إلى دير عمار، ودونه في جميع الحالات عقبات تأهيل خط الغاز العربي.
الطرح الوحيد المغيب عن معالجة أزمة الكهرباء بقي الإنتقال جدياً إلى الطاقة المتجددة. وذلك على الرغم من أن “خطة توليد الطاقة بأقل تكلفة” المعدة من قبل شركة كهرباء فرنسا في نهاية 2019 خلصت إلى أن طريقة الانتاج الأمثل والأقل كلفة لمعالجة النقص في الكهرباء، هي بانتاج 37 في المئة من مصادر الطاقة النظيفة خلال 5 سنوات، أي لغاية نهاية 2025. على أن تصل مجمل الكمية المنتجة من الطاقة المتجددة إلى 40 في المئة مع حلول العام 2030. يجيب الخبير الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي بان “سهل البقاع وحده بامكانه انتاج بين 2000 و2200 ميغاواط من الكهرباء عبر مزارع الطاقة الشمسية بفترة قياسية. وكل ما يتطلبه الأمر وجود حكومة تتفاوض مع المفوضية الأوروبية التي تمول إلى حدود 80 في المئة من مشاريع الطاقة الشمسية حول العالم والحصول على تمويل ميسر لمدة 25 عاماً. وباستطاعة مجموعة قليلة من المقاولين لا تتخطى أصابع اليد الواحد أن تنجز المهمة وتضيف إلى الشبكة بين 1000 و1500 ميغاواط في فترة لا تتجاوز 6 أشهر. وهو ما يرفع التغذية إلى ما بين 12 و14 ساعة تلقائياً على مساحة الوطن”. وبحسب بارودي فان “لبنان الذي يتمتع بـ 300 يوم شمس على مدار العام وبمجاري رياح نشطة ملائمة لانتاج طاقة كهروهوائية بما لا يقل عن 700 ميغاواط، بامكانه انتاج إلى حدود 3000 ميغاواط بسهولة كبيرة من الطاقة النظيفة وبكلفة زهيدة جداً، ومن دون أي تلوث أو ضجيج”.
القدرة الهائلة الكامنة في مصادر الطاقة النظيفة غير مستغلة بالكامل لغاية اليوم. فمجمل ما ينتجه لبنان من مصادر الطاقة المتجددة يقدّر بـ56 ميغاواط، تشكل 2 في المئة فقط من الطاقة الممكن إنتاجها. مع العلم أن خطط وزارة الطاقة “المتدحرجة” منذ العام 2009 تضمنت إنتاج 12 في المئة من الكهرباء من مصادر الشمس والهواء لغاية 2020. لكن بدلاً من العمل بأقل الإيمان على تحقيق الهدف الأهم بخطة وزارة الطاقة، جرى نسف الأمن الطاقوي من خلال “الاعتماد على الغير لتزويدنا بالكهرباء، وبعدم تجهيز البنى التحتية المطلوبة للقطاع، وباستمرار تفويت الفرص التي تولدها الأزمات للانتقال لمرة واحدة ونهائية إلى الحلول الدائمة المتثملة بتوسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية”، يقول رئيس المركزي اللبناني للطاقة المتجددة روني كرم. من هنا، فان ما يجب التركيز عليه بحسب خوري هو “تأمين الأمن الطاقوي للبلد. وهذا لا يتحقق من خلال استجرار الطاقة أو الحلول الموقتة المعتمدة، التي كانت سبباً أساسياً بما نعانيه اليوم. وبرأيه “بدأ يتبلور وعي عام لأهمية مشاريع الطاقة المتجددة. حيث لم يعد الإهتمام يقتصر على تأمين ديمومة الكهرباء فحسب، إنما أيضاً بما يمكن أن تضيفه مثل هذه المشاريع من حيوية على المجتمع.