استعادت منطقة البسطة التحتا في العاصمة بيروت أجواء النزوح الذي شهدته في عدوان 2006، حين تدفّقت آلاف الأسر إلى بيروت وجبل لبنان. الفرق بين عام 2006 واليوم، أن العدوان الإسرائيلي يأتي فوق أزمة اقتصادية ضربت القدرة الشرائية للأجور وأوقعت مئات الأسر في براثن الفقر أو أسقطتها من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة وما دون، إذ يواجه النازحون مشكلة مركّبة، تبدأ بتأمين المأوى وصولاً إلى تأمين المواد الغذائية والأدوية واللوازم الأساسية الأخرى، فضلاً عن خسارة وظائفهم وأعمالهم الحرّة.يقول أحد العاملين في صيدلية إن الطلب على الأدوية والسلع الصيدلانية تضاعف بشكل طبيعي مع تضاعف عدد المقيمين في بيروت، إلا أنه لاحظ أن هناك تركيزاً شديداً على منتجات محدّدة مثل الحليب والحفاضات، ما يشير إلى أن مصدر الطلب ناتج من العائلات النازحة. وهؤلاء يلجأون أيضاً إلى تخزين الأدوية المزمنة ويبتاعون منها اثنين أو ثلاثة. ويأتي ذلك في ظل القلق المتزايد من احتمال نقص المخزون الدوائي، ولا سيما في حال طالت الأزمة أسابيعَ أو أشهراً. كذلك يشير هذا الصيدلاني، إلى أن مستودعات الضاحية، وهي أحد المصادر الرئيسية لتزويدهم بالأدوية، كانت مقفلة، ما اضطرهم إلى البحث عن بدائل خارج الضاحية لسدّ احتياجاتهم.
لم يقتصر التأثير على الصيدليات فقط، إذ شهدت محالّ تجارة التجزئة ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب، بلغ خمسة أضعاف المستويات المعتادة. وتركّز الطلب على سلع محددة مثل الألبان والأجبان والخبز والمياه، أي الاستهلاك اليومي. وحتى الآن ليست هناك خشية من توقف تسليم البضائع، إذ يقول صاحب إحدى البقالات، أن الشركات تسلّم الكميات المطلوبة ما دام الثمن مدفوعاً نقداً وليس ديناً. ويشير إلى أن الأسعار لم تشهد أي زيادة خلال اليومين الأولين للأزمة.
الزيادة في الطلب عند بائعي الخضر والفواكه ليس بالدرجة نفسها. يقول أحد الباعة، إن الطلب على بعض أصناف الفواكه والبطاطا والبندورة حصراً شهد ارتفاعاً طفيفاً، مشيراً إلى أن النازحين غالباً ما سيفضّلون شراء الطعام الجاهز حتى يتسنّى لهم توفير المسكن والتجهيزات للطبخ.
أحد أكثر القطاعات التي شهدت ضغطاً كبيراً في اليومين الماضيين، وتسبّب بأزمة هو قطاع البياضات، ولا سيما الفرش والوسادات. المحالّ التجارية في منطقة البسطة التحتا تكاد تفرغ، بينما انتقل طلب كبير إلى منطقة الأوزاعي. هذه السلع تُعدّ ضرورية للنازحين الذين يحتاجون إليها لإعداد أماكن نوم مؤقتة لهم ولعائلاتهم. أوضح أحد الباعة أن الطلب على الفرش والوسادات زاد بنسبة 40% في يوم واحد فقط، إذ كان لديه مخزون من 200 فرشة و200 وسادة باعها كلّها بسعر 12 دولاراً للواحدة، لكنه لم يستطع الحصول على المزيد من البضائع من المصنّعين بعدما أبلغه أكثر من واحد منهم أنهم توقّفوا عن التوريد بحجّة ارتفاع أكلاف المواد الخام اللازمة للتصنيع. لذا، يستنتج البائع أن هناك نوعاً من الاستغلال للأزمة بهدف رفع الأسعار، إذ لا ترتفع أسعار المواد الأولية بين ليلة وضحاها.