العالم يتساءل بقلق: هل الاقتصاد الأميركي على حافة الركود؟

انكمش الاقتصاد الأميركي ربعين متتاليين، رافعا منسوب المخاوف من أن يتجه الاقتصاد الأميركي إلى الركود، إن لم يكن بالفعل في حالة ركود، بعد عامين فقط من انتهاء الركود الوبائي رسميا.

ويسعى البيت الأبيض لتهدئة مخاوف الناخبين قبل انتخابات الكونغرس في الثامن من نوفمبر والتي ستقرر ما إذا كان الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس جو بايدن سيحتفظ بأغلبيته.

أقوى انتعاشة

أكد بايدن أن الوضع الحالي للاقتصاد الأميركي لا يشير إلى تعرضه للركود. وقال إنه “يوجد مستوى قياسي من التوظيف ويجري استثمار الأعمال في الولايات المتحدة بوتيرة قياسية، والصناعة الأميركية تشهد أقوى انتعاش شهدته خلال العقود الثلاثة الماضية… هذا لا يعني ركودا على الإطلاق”.

وأشار إلى تصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول و”اقتصاديين آخرين”، والتي تفيد بأن الاقتصاد الأميركي ليس في حالة ركود.

وعددت وزيرة الخزانة جانيت يلين إنجازات الإدارة على مدى 18 شهرا مضت، بما في ذلك الصعود القوي للتوظيف في أعقاب عمليات تسريح قياسية في ذروة جائحة كوفيد – 19، ووصفت الاقتصاد بأنه “قادر على الصمود”. ومع ذلك، أقرت يلين بأن النشاط الاقتصادي يتباطأ وحذرت من وجود مخاطر عديدة تلوح في الأفق.

وتعتبر فترة ستة أشهر من الانكماش دليلا، غير رسمي، يشير إلى ركود طويل الأمد. ومع ذلك، لا يوجد شيء بسيط في اقتصاد ما بعد الجائحة. وقد أربكت المؤشرات صناع السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي والعديد من الاقتصاديين من القطاع الخاص، منذ توقف النمو في مارس 2020 مع تفشي فايروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) والاستغناء عن 20 مليون أميركي فجأة من العمل.

ورغم انكماش الاقتصاد خلال النصف الأول من هذا العام، أضاف أصحاب العمل 2.7 مليون وظيفة، أي أكثر مما كان عليه الحال في معظم السنوات بأكملها قبل تفشي الوباء. وانخفض معدل البطالة إلى 3.6 في المئة، بالقرب من أدنى مستوى له منذ نصف قرن.

التوظيف القوي والبطالة المنخفضة للغاية لا يتسقان مع الركود.

وبينما يعكس الانخفاض الفصلي الثاني في الناتج المحلي الإجمالي، الذي كشفت عنه وزارة التجارة الخميس، وتيرة أكثر اعتدالا لتراكم المخزونات لدى الشركات، إلا أن الوضع الاقتصادي أظهر ضعفا بشكل عام، بينما ظلت الصادرات النقطة الوحيدة المضيئة.

وقد يثني هذا مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) عن الاستمرار في زيادة أسعار الفائدة بشكل حاد في الوقت الذي يحاول فيه كبح جماح التضخم المرتفع. ورفع البنك المركزي الأميركي الأربعاء سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية ليبلغ إجمالي رفع الفائدة منذ مارس 225 نقطة أساس.

وأشارت وزارة التجارة في تقديراتها للناتج المحلي الإجمالي الخميس إلى انخفاض بنسبة 0.9 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني.

وكان اقتصاديون تم استطلاع آراؤهم توقعوا نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المئة.

وتراوحت التقديرات من معدل انكماش منخفض يصل إلى 2.1 في المئة إلى معدل نمو مرتفع يصل إلى 2.0 في المئة. وانكمش الاقتصاد 1.6 في المئة في الربع الأول، و1.3 في المئة في النصف الأول، وهو ما يستوفي تعريف “الركود الفني”.

لكن خبراء اقتصاديين والبيت الأبيض والمركزي الأميركي يقولون إن الاقتصاد ليس في حالة ركود بعد، بحسب مقاييس أوسع للنشاط الاقتصادي.

ركود مؤجل

رغم أن معظم الاقتصاديين ومن ضمنهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قالوا إنهم لا يعتقدون أن الاقتصاد في حالة ركود، يتوقع الكثيرون بشكل متزايد أن يبدأ الانكماش الاقتصادي في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل.

ونقلت بلومبرغ عن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قولها في مؤتمر صحافي الخميس، بعد ساعات من صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من العام “إن الأرقام التي تظهر انخفاضين متتاليين في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لا تثبت أن البلاد الآن في حالة ركود، الركود الحقيقي هو إضعاف واسع النطاق للاقتصاد.. وهذا ليس ما نراه الآن”.

ويعرف المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، وهو من يحدد رسميا حالات الركود في الولايات المتحدة، الركود بأنه “تراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي في مختلف قطاعات الاقتصاد يستمر لأكثر من بضعة أشهر ويلاحظ عادة على مؤشرات الإنتاج والعمالة والدخل الحقيقي وغيرها”.

وبلغ متوسط نمو الوظائف 456700 شهريا في النصف الأول من العام، بينما استمر الطلب المحلي في النمو.

وكانت بيانات وزارة التجارة الأميركية الصادرة الخميس أظهرت استمرار انكماش الاقتصاد الأميركي خلال الربع الثاني من العام الحالي للربع الثاني على التوالي.

وتشير بيانات الناتج المحلي حسب اقتصاديين إلى دخول الاقتصاد الأميركي حالة ركود من الناحية الفنية.

ويعكس تراجع إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الثاني تراجع الاستثمار في المخزون لدى القطاع الخاص، والاستثمار في الأصول السكنية الثابتة وكذلك الإنفاق الحكومي والاستثمار في الأصول الثابتة غير السكنية.

وساعدت الزيادة في الصادرات والإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة خلال الربع الثاني من العام الحالي في الحد من انكماش الاقتصاد الأميركي، رغم استمرار تباطؤ وتيرة نمو الإنفاق الاستهلاكي إلى 1 في المئة خلال الربع الثاني، مقابل 1.8 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي.

وفي الوقت نفسه، قالت وزارة التجارة إن تراجع معدل انكماش الاقتصاد خلال الربع الثاني مقارنة بالربع الأول يعكس تحسن الصادرات وتباطؤ وتيرة تراجع إنفاق الحكومة الاتحادية.

وجرى تداول الأسهم في وول ستريت على ارتفاع الخميس، وارتفع الدولار مقابل سلة من العملات في حين انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية.

لكن هناك قدرا كبيرا من الضبابية يحيط بالتوقعات للنصف الثاني من العام، مع تراجع بيانات الإسكان والتصنيع.

وأظهر تقرير منفصل من وزارة العمل الأميركية الخميس أن الطلبات المقدمة لأول مرة للحصول على إعانات البطالة الحكومية تراجعت بواقع خمسة آلاف إلى 256 ألفا المعدل لأسباب موسمية في الأسبوع المنتهي يوم الثالث والعشرين من يوليو. وكان اقتصاديون استطلعت آراؤهم قد توقعوا 253 ألف طلب خلال الأسبوع الماضي.

وفي كلتا الحالتين، ومع احتدام التضخم عند أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، فإن القوة الشرائية للأميركيين آخذة في التآكل. وتشعر الأسر ذات الدخل المنخفض والأسر من أصل إسباني بالألم بشكل غير متناسب، وتكافح الكثير من الأسر لدفع ثمن الضروريات الأعلى تكلفة مثل الغذاء والغاز والإيجار.

ومما يضاعف من هذه الضغوط، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ أوائل 1980، وبالتالي ينعكس هذا على كلفة الاقتراض لشراء المنازل والسيارات والشراء بواسطة بطاقات الائتمان التي شهدت ارتفاعا تضخميا كبيرا.

ويبدو أن العالم سينتظر حتى الثامن من نوفمبر، موعد إجراء انتخابات الكونغرس، ليتأكد من صحة الاقتصاد الأميركي التي يجري التعتيم عليها.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةوزير الزراعة الروسي يتوقع أن تجمع روسيا 40 مليار دولار من الصادرات الغذائية
المقالة القادمةمع سوق هائلة.. الشركات العالمية لا تقاوم إغراء معرض الصين الدولي