كشفت استطلاعات حديثة عن أنه سيتعين على المدن في جميع أنحاء العالم التكيف مع غياب دائم للكثير من موظفي المكاتب. ووفقاً لاستطلاعات دورية أجراها معهد «إيفو» الألماني للبحوث الاقتصادية، يعمل نحو 25 في المائة من الموظفين في ألمانيا من المنزل حتى بعد انتهاء جائحة كورونا.
ووفقاً لمعهد «ماكينزي» العالمي، فإن نسبة العاملين من المنزل في بعض المدن الكبرى الدولية تزيد على ذلك، ما يدفع الكثير من الشركات إلى تقليص مكاتبها. وحسب بيانات شركة الاستشارات العقارية الألمانية «جونز لانغ لا سال»، تراجعت حالات التأجير الجديدة للمكاتب في ألمانيا خلال النصف الأول من هذا العام بنسبة 40 في المائة على أساس سنوي. وعزت الشركة هذا التراجع جزئياً إلى العمل من المنزل وأيضاً إلى الانكماش الاقتصادي.
وتعد المساحات المكتبية غير المستخدمة باهظة التكلفة، وفي الأوقات غير المستقرة اقتصادياً يقرر الكثير من الشركات تقليص حجمها. وقام بعض الشركات بتحويل المكاتب الشاغرة إلى مساحات مشتركة لمزيد من التفاعل الشخصي في أيام الحضور، حسبما ذكر زيمون كراوزه، الخبير في مجال العمل من المنزل لدى معهد «إيفو».
وأشار كراوزه إلى أن شركات أخرى قامت بتخفيض مساحات المكاتب الخاصة بها من خلال مشاركة المكتب، أي تشارك الكثير من الموظفين في مكتب واحد. وقال إن «هذا التأثير له صدى على سوق المكاتب. ومع ذلك، فإنه لا يحدث على الفور، ولكن بتباطؤ، لأن الكثير من الشركات لديها عقود إيجار طويلة الأجل».
ووفقاً لـ«إيفو»، فإن هذا التطور من شأنه أن يدفع عُمد المدن إلى التفكير. وجاء في بيان للمعهد: «يجب على المحليات التفكير في كيفية تطوير مراكز المدن بشكل أكبر، بحيث تقدم مزيجاً جذاباً من السكن والعمل والتسوق والترفيه».
جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يضع على عاتقه حالياً قضية حقوق العمل من المنزل وحمايتها، إذ وقَّع أكثر من ثلاثين نائباً أوروبياً على وثيقة جرى إطلاقها مطلع الشهر الجاري، بحيث تضمن في نهاية المطاف الوصول إلى مساحات عمل تشاركية وحظر تتبع أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالعاملين في المنزل، وحمايتهم من الاضطرار إلى إرسال أو الرد على رسائل بريد إلكتروني خارج ساعات العمل.
وطوَّر وأطلق الوثيقة غير الملزمة، «تحالف القوى العاملة في المستقبل»، وهو منتدى من السياسيين وقادة الأعمال والأكاديميين، يركز على إحداث تغييرات على السياسات، استجابةً للتحول الرقمي وبيئات العمل، حسبما أفادت وكالة «بلومبرغ».
وقالت الوثيقة إن هدف التحالف وضع إرشادات أوروبية رسمية وأفضل الممارسات بالنسبة إلى الشركات مع العاملين المختلطين (أي من يتناوبون العمل بالمكتب والمنزل)، أو مع العاملين عن بُعد، ومن أجل وضع تعريف قانوني لما يؤسس «علاقة صحية مع التكنولوجيا في مكان العمل» بالنسبة إلى الموظفين في الوظيفة من المنزل أو من مواقع بعيدة أخرى.
وقال دراغوس بيسلارو، رئيس لجنة التمكين والشؤون الاجتماعية بالبرلمان الأوروبي وأحد الموقِّعين على الوثيقة، إن «العمل عن بُعد ونماذج العمل الهجينة، وعلاقات الحياة العملية المرنة هي قيمة مضافة إلى اقتصادنا وأعمالنا وعمالنا». وقال إن «هذه يجب ألا تأتي على حساب مواطنينا بخطوط غير واضحة بين الحياة الشخصية والعملية، ما يزيد من معدلات الإرهاق والشعور بالوحدة».