أطلق صندوق النقد الدولي تقريره المُتعلّق بآخر مستجدات الاقتصاد العالمي والذي حمل عنوان “آفاق الاقتصاد العالمي: اجتياز المسارات العالمية المتباعدة”، وذلك على هامش الاجتماعات السنوية التي يُجريها في مدينة مراكش المغربية. الصندوق أبقى على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي، على الرغم من مؤشرات الضعف المسجلة في الاقتصادات الكبرى، بحيث أشار إلى أنّ التوقعات لا تزال دون المتوسط التاريخي البالـغ 3.8 في المئة في الفتـرة بين 2000 و2019. كمـا انخفضـت التوقعات لعام 2024 بمقـدار 0.1 نقطة مئوية مقارنة بالتنبؤات السابقة الصادرة في تموز الماضي.
على صعيد الاقتصادات المتقدّمة، تشـير توقعـات الصندوق إلى تباطـؤ النشاط الاقتصادي مـن 2.6 في المئة في 2022 إلى 1.5 في المئة في 2023، و1.4 في المئة في 2024، في ظـل توقّع نشـاط أقوى زخماً في الولايـات المتحـدة، وضعـف النمو عـن المتوقع في منطقـة اليورو. ورفع صندوق النقد توقعاته للاقتصاد الأميركي بحيث توقّع أن يحقق نمواً بنسبة 2.1 في المئة في 2023، إلّا أنّ من المتوقع أن يسجّل تباطؤاً ملحوظاً في 2024 إلى 1.5 في المئة. وفي ما يتعلّق بألمانيا، فهي تُسجل أكثر المؤشرات إثارة للقلق مع ركود يزداد اتضاحاً خلال السنة الراهنة بانكماش بلغ 0.5 نقطة مئوية، ومن ثم من المتوقع أن يشهد انتعاشاً ضعيفاً العام المقبل مع تسجيل 0.9 نقطة مئوية في حين كان صندوق النقد الدولي توقع في تموز أداءً أفضل لتكون ألمانيا البلد الوحيد الذي سوف يسجل ركوداً هذا العام.
كما تُشير توقعات الاقتصاد الفرنسي إلى تحسن بصورة طفيفة للعام الحالي مع نمو نسبته 1 في المئة، أي أفضل بـ 0.2 نقطة مئوية من توقعات تموز، في حين أن الوضع الاقتصادي في اسبانيا يبقى قويّاً مع توقع نمو نسبته 2.5 في المئة للعام 2023. وسوف يعاني الاقتصاد الايطالي من التباطؤ لكن من المتوقع أن يبقى نموه ايجابياً هذا العام بنسبة 0.7 في المئة، على مثال المملكة المتحدة، التي سيبقى نمو اقتصادها ضعيفاً بنسبة 0.5 في المئة.
أما على صعيد اقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصاديات النامية، فتوقع الصندوق انخفاضاً محدوداً في النمو من 4.1 في المئة في 2022، إلى 4 في المئة في العامين 2023 و2024، مع تخفيـض التوقعات بمقـدار 0.1 نقطة مئوية في 2024 انعكاساً لأزمة القطاع العقاري في الصين. وتسجل الدول الناشئة الكبرى الأخرى اتجاهاً أكثر إيجابية مع تحسن توقعات العام 2023، مثل الهند بنمو إلى 6.3 في المئة من 6.1 في المئة سابقاً، وأميركا اللاتينية حيث تستفيد البرازيل (3.1 في المئة) من الأداء الجيد لسوق المواد الأولية، في حين تعتبر المكسيك (3.2 في المئة) من المستفيدين الأساسيين من إعادة تنظيم سلاسل التوريد بين الصين والولايات المتحدة.
عربيّاً، توقّع الصندوق أن يُسجل متوسط معدل التضخم السنوي في مصر 23.5 في المئة في 2023 وأن يُعاود القفز إلى 32.2 في المئة في 2024. كما أظهر أنّ الحسابات الجارية في الامارات العربية المتحدة من المتوقع أن تشكل نحو 8.2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2023، و7.7 في المئة في العام 2024، بينما توقّع التقرير نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 4 في المئة في 2024. أما المغرب، فمن المتوقع أن يرتفع نمو اقتصادها من 1.3 في المئة عام 2022 إلى 2.4 في المئة عام 2023 قبل أن يرتفع إلى 3.6 في المئة عام 2024.
كذلك، أظهرت التوقعات نمو اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة 2 في المئة في 2023، وأن ترتفع إلى 3.4 في المئة في العام المقبل. كما تمّ تقدير نمو اقتصادات الدول المصدرة للنفط بنسبة 2.2 في المئة في 2023، و3.4 في المئة في 2024، فيما من المتوقع نمو اقتصادات الدول المستوردة للنفط بنسبة 1.8 في المئة في العام الحالي، على أن تقفز إلى 3.3 في المئة العام المقبل.
وخلال المؤتمر الصحافي، قال بيار – أوليفييه غورينشا كبير اقتصاديي الصندوق: “إنّ الاقتصاد العالمي لا يزال يتعافى من الجائحة والحرب في أوكرانيا ويظهر مقاومة لافتة، غير أنّ النمو يبقى ضعيفاً ومتفاوتاً بالمقارنة مع مستوياته السابقة. فالوضع متفاوت إن في صفوف الاقتصادات المتطورة أو بين الدول الناشئة ويرى البعض منها تحسناً في توقعاته فيما تعاني دول أخرى ولا سيما في أوروبا من البطء لا بل تشهد ركوداً طفيفاً. ويعود السبب في ذلك إلى استمرار تداعيات بعض الأزمات ولا سيما الغزو الروسي لأوكرانيا فيما تباطؤ التضخم يستغرق وقتاً، ما يدفع البنوك المركزية إلى مواصلة سياسة نقدية متشددة مع أسعار فائدة مرتفعة”.
وأشار الى أن من الممكن تليين السياسة النقدية واعتماد إجراءات دعم على صعيد الميزانية، مشجعاً السلطات على التحرك في هذا الاتجاه، ومُذكراً بأهمية عدم تليين السياسات النقدية بصورة متسرعة.
وتُعتبر توقعات النمو العالمي في الأجل المتوسط، التي تبلغ 3.1 في المئة عند أدنى مستوياتها على مدار عقود، لتتراجع التوقعات بإمكان لحاق بلدان العالم بركب مسـتويات المعيشة الأعلى. وتُشـير توقعات الصندوق إلى تراجع التضخم العالمي علـى نحـو مطـرد مـن 8.7 في المئة عـام 2022 إلى 6.9 في المئة في العـام 2023 ثـم 5.8 في المئة عام 2024. غيـر أنه تم تعديل التوقعات للعامين 2023 و2024 بزيادة بلغت 0.1 في المئة و0.6 في المئة، على التوالي، بينما لا يتوقـع في معظم الحالات عـودة التضخم إلى المستوى المستهدف حتى عام .
التقرير أشار إلى إمكان تسبّب زيادة الصدمات المناخية والجغرافية – السياسـية بحدوث مزيد مـن الطفرات في أسعار الأغذية والطاقة، إذ من المتوقع أن يُقيّد ازدياد التشـرذم الجغرافي – الاقتصـادي تدفّـق السلع الأولية عبـر الأسواق المختلفة، فيتسـبب بزيـادة تقلبات الأسعار وتعقيـد فـرص التحول الأخضـر. كما أنّ تصاعـد تكاليـف خدمة الديـن، أوصل أكثر مـن نصف البلدان الناميـة منخفضـة الدـل إلى حالـة المديونية الحرجة أو باتت معرضة لمخاطر عالية تهدد ببلوغها.
وحسب التقرير الصادر، تتّسـم المخاطـر المحيطـة بآفـاق الاقتصـاد في الوقـت الحاضـر، بأنهـا أكثـر اتزاناً مقارنـة بالوضـع الـذي كانـت عليـه منـذ 6 أشـهر، علـى خلفيـة تسـوية توتـرات سـقف الديـن في الولايـات المتحـدة، واتخـاذ السـلطات الأميركيـة إجـراءات حاسـمة لاحتـواء الاضطراب المـالي. فقـد انحسـرت احتمـالات حـدوث هبـوط عنيـف في النشـاط الاقتصـادي، وإن كان ميـزان المخاطـر التـي تحيـط بالنمـو العالمـي لا يـزال مائلاً نحـو التطـورات السـلبية. وأبدى الصندوق تخوّفه من امكان استفحال أزمـة القطـاع العقـاري في الصيـن وانتقال التداعيـات إلى بقيـة بلـدان العـالم، لا سـيما إلى البلدان المصـدرة للسلع الأساسية.
وفي الختام، شدّد تقرير آفاق الاقتصاد العالمي على أهميّة التزام صانعي سياسات المالية العامـة بإعادة بناء حيـز للتصرف من خلال الميزانية وإلغـاء التدابيـر غيـر الموجهة الى الفئـات المستحقة مـع حمايـة الفئات الضعيفـة، مع التشديد على ضرورة إجـراء الاصلاحات الراميـة من أجل الحد مـن المعوقات الهيكلية للنمـو عـن طريـق تشـجيع المشاركة في سـوق العمـل، بالاضافة إلى وضع السياسات النقدية الفاعلة للحد من تكاليف التصخم وإرساء التعاون للتخفيف من آثار تغير المناخ وتسريع عملية التحول الأخضر.