تحدث رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان خلال جلسة للجنة منذ أسبوع، عن مخالفات كبيرة قامت وتقوم بها الحكومة متعلّقة بسلفات الخزينة التي تمنحها للوزارات ومؤسسات الدولة من خارج الموازنة وعلى مدار السنة من دون أن تسدّد تلك السلفات لاحقاً كما يفرض قانون المحاسبة العمومية الذي يجيز منح سلفات للمؤسسات المنتجة والقادرة على ردّها لاحقاً.
وقد طلبت لجنة المال حينها من وزارة المال إيفادها بلائحة السلفات الممنوحة والتي تبلغ قيمتها آلاف المليارات من خارج الموازنة. ما يستنتج منه أن الموازنات التي ترسلها الحكومة الى مجلس النواب شكلية وغير حقيقية بعجوزات مصطنعة تقلّ بنسب كبيرة عن العجز الفعلي المحقّق أواخر كلّ عام، حيث سأل كنعان خلال الجلسة «ما الجدوى من الموازنة إذا كان الصرف سيكون أكثر من الموازنة بسلفات خزينة لا ترد، فهذا يعني أن الحكومة تعمد الى «تخبية» العجز. وقد حوّلت الى مجلس النواب مشروع موازنة بعجز 17 ألف مليار، بينما العجز الفعلي يصل الى أكثر من 50 الف مليار ليرة».
في المقابل، طرحت النائبة حليمة القعقور خلال الجلسة أيضاً، عدداً من المسائل المتعلّقة بهبات جرى قبولها، ولم ترد بالموازنة ولم تسجّل إيرادات بالموازنة.
وإثر ذلك، تسلّم كنعان من وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل يوم الاثنين، لائحة بسلفات الخزينة بين أعوام 2020 الى 2023، ولائحة بالهبات بين أعوام الـ2018 الى 2023، وقد أشار بيان لكنعان الى أن السلفات بلغت لعام 2023 وحده، 31,892,584,935,913 ألف مليار، أي ما يعادل 72% من القدرة الإنفاقية المتاحة قانوناً على أساس القاعدة الإثنتي عشرية، «وهي مسألة ستخضع للمتابعة من قبل لجنة المال والموازنة، لما تشكّله هذه الأرقام من إنفاق كبير للحكومة خارج الموازنة العامة والقوانين المرعية».
السلفات باتت حلّاً لعدم زيادة عجز الموازنات
في هذا الإطار، اعتبر النائب ميشال ضاهر أن مبدأ السلفة بالأساس ينصّ على تسليف جهة أو فرد قادر على إعادة سداد قيمتها، إلّا أنه تحوّل بموازنات الدولة الى تسليف من دون استرداد ومن دون جدوى اقتصادية أو مالية مرتبطة بالإنتاجية، «وأصبحت السلفات حلّاً لعدم زيادة عجز الموازنات، إلّا أنها في الحقيقة لا تؤدي سوى الى تفاقم العجز الفعلي، وأكبر دليل على ذلك، عجز مؤسسة كهرباء لبنان الذي يبلغ 35 مليار دولار من دون احتساب الفوائد والذي لا تشمله أي موازنة!».
وأشار ضاهر لـ»نداء الوطن» الى أن سياسة منح السلفات من قبل الحكومات معتمدة منذ سنوات، مذكّراً بمسعى حكومة سعد الحريري للحصول على سلفة بقيمة 10 آلاف مليار ليرة بفائدة 1% من البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة، وبالتالي نقل العجز من الموازنة الى البنك المركزي. مؤكداً عدم وجود شفافية في الأرقام لأن تلك السلفات لم ترد في الموازنات ولا يمكن استردادها، وهي عجز إضافي للعجز المعلن في الموازنات وستظهر حين إتمام قطع الحساب.
كما رأى ضاهر أن الاستسهال في إعطاء سلفات خزينة وطلب الأموال من البنك المركزي على طريقة «اعطينا يا رياض، اعطينا يا رياض»، أوصل البلاد على ما هي عليه اليوم وأهدر أموال المودعين! كاشفاً أن عجز الموازنة في حال تضمينها السلفات الممنوحة قد يصل الى 40 أو 50 ألف مليار ليرة.
في المقابل، اعتبر ضاهر أن عجز الموازنة عجز وهمي لأن الموازنة ستسجّل، في حال احتساب أرقام الايرادات الفعلية من الضريبة على القيمة المضافة، فائضاً وليس عجزاً، شارحاً أن أرقام إيرادات الـTVA في مشروع الموازنة تبلغ 90 ألف مليار ليرة أي ما يعادل مليار دولار علماً أن إيرادات الـTVA من المرفأ فقط تبلغ مليار دولار في العام 2023، وبالتالي يجب أن تكون ايرادات الدولة ككل من الـTVA عند نحو 3 مليارات دولار بدل المليار عندما نضيف إيرادات تلك الضريبة بعد بيع المنتج النهائي للمستهلك بالإضافة الى إيرادات تلك الضريبة على الخدمات في قطاعات مختلفة كالفنادق والمطاعم والاتصالات وغيرها… معتبراً أن السعي المتعمّد لتقليص قيمة إيرادات الـTVA في مشروع الموازنة يهدف الى عدم تعديل رواتب موظفي القطاع العام وأجورهم وتعويضاتهم، لتكون النتيجة في الختام، تعطيل عمل إدارات الدولة ومؤسساتها من دوائر عقارية، نافعة، مالية وغيرها…
منح السلفات في 2023 سببه عدم وجود موازنة
من جهته، أشار النائب بلال عبد الله الى أن الحكومة اضطّرت الى منح سلفات خزينة في 2023 بسبب عدم وجود موازنة رغم أن هذا الأمر غير قانوني وغير سليم في الإطار المالي إلا أن الظروف حكمت بذلك من أجل تسيير شؤون إدارات الدولة وتلبية حاجاتها. مشيراً الى أن كيفية إنفاق أموال تلك السلفات واضحة ومفصّلة ضمن لائحة قامت وزارة المال بتزويدها الى رئيس لجنة المال والموازنة، «علماً أنه لو لم تكن أموال حقوق السحب الخاصة SDR’s موجودة، لكانت قيمة تلك السلفات أكبر بكثير!».
واعتبر عبدالله أن إعداد وزارة المال لائحة بالسلفات الممنوحة وتفاصيل إنفاقها دليل شفافية، مستبعداً إمكانية إضافة تلك الأرقام الى مشروع الموازنة بل ستبقى رهينة إجراء قطع الحساب. ومؤكداً في الوقت ذاته أن قيمة العجز الفعلي أكبر من القيمة المعلنة بالتأكيد.
أما بالنسبة الى موضوع الهبات غير الواردة في الموازنة أيضاً، أشار الى أن «الهبات لا تدخل ضمن الموازنة لأنها تُعلن أو تُقرّ من دون أن يحدد تاريخ الحصول على أموال تلك الهبات، وبالتالي هي أيضاً يجب أن تدخل في قطع الحساب».