يعاني رجال الأعمال في العراق من ضعف الأنظمة المصرفية، ما يدفعهم إلى اللجوء لمصارف دول الجوار في تعاملاتهم التجارية الدولية، بينما لا يثق كثير من المواطنين بها، ويدخرون أموالهم في منازلهم.
ويقول الخبير الاقتصادي ورئيس اتحاد المحامين في الديوانية، عباس عنيد غانم، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الأنظمة المصرفية العراقية الآن بعيدة عن المعايير الدولية». وتعود المشكلات – وفق غانم – إلى عقود خلت، وتحديداً إلى التسعينات؛ حين تسببت العقوبات المفروضة على نظام صدام حسين في عزل العراق عن العالم.
وعقب غزو قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة البلد عام 2003، أدت عمليات النهب الواسعة إلى إفراغ البنوك من السيولة. وتأسس منذ ذلك الحين أكثر من 70 مصرفاً؛ لكن القطاع في الإجمال لم يتطور.
وأفاد البنك الدولي عام 2018 بأن أكبر ثلاثة مصارف، وهي «الرافدين» و«الرشيد» و«العراقي للتجارة» المملوكة للدولة، تستحوذ على نحو 90 في المائة من أصول القطاع. وتتولى المصارف العامة الثلاثة أساساً دفع رواتب ثمانية ملايين موظف عراقي؛ لكن الدولة اضطرت للاقتراض منها إثر انهيار أسعار النفط هذا العام، ما رفع دينها المحلي.
وبالنسبة لمدير «مجموعة الأخيار للمقاولات» عادل الصالحي، تكمن مشكلة المصارف العامة في أنها تكتفي «بالقروض (للدولة) ودفع رواتب الموظفين، ولا يهمها التعامل مع قطاع التجارة ودعم رجال الأعمال».
وينطبق ذلك خصوصاً على مصرفي «الرافدين» و«الرشيد»، وبدرجة أقل على «المصرف العراقي للتجارة» الذي أسسته سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية، بإشراف الحاكم المدني بول بريمر، عام 2003.
لكن غانم يوضح أن «المحاصصة الطائفية والحزبية في النظام السياسي، والفساد الإداري والمالي، أمور أثرت على هذه المؤسسة المصرفية»، ما حصر دورها تقريباً في إقراض الحكومة.
ومع أن «المصرف العراقي للتجارة» هو الوحيد الذي يمكِّن التجار من فتح اعتمادات، فإنه «لا يقدم أي تسهيلات مصرفية لرجال الأعمال، ويطلب منا ضمانات بقيمة عالية جداً تصل إلى 110 في المائة، لتوفير خطاب ضمان فقط»، وفق الصالحي.
ودفع ذلك «مجموعة الأخيار للمقاولات» إلى اللجوء لخدمات مصارف خارج البلاد، على غرار كثير من الشركات التي صارت تعتمد على بنوك في الأردن وتركيا ولبنان، أو حتى إيران، لتسهيل تعاملاتها.
ولا يتعلق الأمر بالتسهيلات المالية فقط؛ بل يطال كذلك – وفق الصالحي – «الشفافية» في المعاملات، وتوفير «موظفين خاصين من داخل البنوك… حسب تقييم وعمل التاجر»، عكس المصارف العراقية التي «تتعامل معنا كموظفين وبأسلوب جاف».
ووفق البنك الدولي، حصل أقل من 5 في المائة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة على قروض من المصارف المحلية العراقية، بينما لجأ أغلب التجار والمستثمرين إلى الاقتراض من العائلة والأصدقاء.
وأرجع غانم ذلك إلى ارتفاع قيمة الفائدة التي تأخذها المصارف، لا سيما في المشروعات الاستثمارية، فهي «تراوح بين سبعة إلى عشرة في المائة، في حين بأغلب مصارف العالم المتطورة لا تصل إلى أكثر من واحد في المائة».
وجاء العراق في المرتبة 172 من بين 190 دولة مصنفة في تقرير «مؤشر سهولة ممارسة الأعمال» الصادر عن البنك الدولي، متقدماً بالكاد على أفغانستان وسوريا التي تمزقها الحرب؛ رغم أنه ثاني منتج للخام في منظمة «أوبك».
ولا تقف مشكلات القطاع المصرفي العراقي عند الشركات، إذ لا تجد خدماته إقبالاً من المواطنين أيضاً. وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن 23 في المائة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي. وأصحاب تلك الحسابات هم خصوصاً من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر.
لكن الرواتب لا تبقى طويلاً في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقداً، ويفضلون إبقاءها في بيوتهم، بسبب ضعف ثقة العراقيين في البنوك.
ولا تزال ذكريات نهب وسرقة المصارف إبان الغزو عام 2003 حاضرة في الأذهان، وقد خسر حينها كثيرون مدخراتهم.
وكان نبيل كاظم أحد الضحايا. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه بعد سرقة البنوك «لاقيت صعوبة كبيرة لاسترجاع أموالي. ولم يحصل ذلك إلا بعد أعوام، ما أفقدني الثقة بالمصارف».
إضافة إلى ذلك، يُرجع كاظم إحجامه عن إبقاء أمواله في البنك إلى عدم توفر آليات دفع إلكتروني وعبر البطاقات في «تعاملات البيع والشراء، وخصوصاً في التعاملات بالمبالغ الكبيرة».
ويفضل كاظم اللجوء إلى خدمات مكاتب الصيرفة أو المصارف الأهلية، للحصول على تحويلات مالية من الخارج؛ لأنها «أفضل وأسرع من المصارف الحكومية؛ بل حتى أكثر أمناً منها».
ويوضح الخبير الاقتصادي عباس عنيد غانم أن «المصارف العراقية لا تسمح بالإيداع بالدولار لأغراض التوفير، وهذا يسبب خسارة كبيرة للعملة الصعبة». ويكشف ذلك ضعف الثقة أيضاً في العملة المحلية، فكثير من المواطنين «يحولون مدخراتهم وأموالهم إلى الدولار، ويكتنزونها في المنازل».
ويشير غانم إلى وجود مفارقة بين الخطاب الرسمي والواقع: «فالدولة تناشد المواطنين إيداع مدخراتهم بالمصارف»؛ في حين «لا تقوم بتعديل قوانين هذه المصارف، ولا توفر لهم أي خدمات أساسية».