العقوبات على حزب الله تضع الحكومة و”سيدر” في دائرة الخطر

ترقب تشهده الساحة المحلية السياسية لتداعيات العقوبات الأميركية الجديدة التي فُرضت على مجموعة من القيادات في حزب الله، وشملت النائبين محمد رعد وأمين شري، إضافة إلى رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. هذه العقوبات من شأنها أن تعقّد مهمة المجلس النيابي اللبناني لتحويل رواتب النائبين إلى حساباتهم البنكية، في حال كانت العقوبات ستطال المصارف اللبنانية التي تتعامل مع الأشخاص المحظورين. أما عن الإجراءات الإضافية فهي تقضي بحظر جميع الممتلكات والمصالح العائدة لهم في الولايات المتحدة أو في حوزة الأشخاص الأميركيين وإبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بها، فضلاً عن أنه قد يتعرض الأشخاص الذين يشاركون في معاملات معينة مع الأفراد والكيانات المدرجة على قوائم العقوبات، إلى اجراءات مشابهة. ومن المرجح أن يتبلغ لبنان عبر السفير اللبناني في واشنطن غابي عيسى أو أحد القائمين فعلاً بمهمات السفارة القرار الأميركي بشأن تلك العقوبات بين اليوم والغد. وكان حزب الله قد طالب اليوم بموقف رسمي لبناني رافض للقرار الاميركي خصوصاً أنه يطاول رئيس كتلة نيابية لبنانية، وذلك قبل يومين من الكلمة المنتظرة لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله في ذكرى حرب تموز.

وعقب القرار، برزت بعض التعليقات من عدد من المسؤولين اللبنانيين حيث اعتبر النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض أن “قرار العقوبات الأميركي إهانة قبل أي شيء للشعب اللبناني لأنه طعن للسيادة”، في حين لفت عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم إلى أن “ما أقدمت عليه أميركا ليس بجديد وهو استهداف للبنان لان من فرضت عليهم العقوبات هم ممثلي ​ الشعب اللبناني ​ وممثلون ادارة شعبية”. وفي موقف صادر عن حزب القوات اللبنانية، دعا النائب في كتلة الجمهورية القوية فادي سعد الى “ضرورة الفصل بين الجناح العسكري لـ”حزب الله” والجناح السياسي، الا انه اعتبر “أنه لا يمكن أن تقوم دولة بوجود حزب سياسي يحمل سلاحا غير شرعي”. وفي ما يخص موقف الحكومة اللبنانية، نقلت وكالة رويترز عن رئيس الحكومة سعد الحريري قوله بأن “العقوبات الأميركية على نواب “حزب الله” أخذت “منحى جديدا” ولكن هذا لن يؤثر على عمل البرلمان أو الحكومة”. وللوقوف على التداعيات السياسية والإقتصادية المرتقبة نتيجة العقوبات الجديدة، اعتبر البروفيسور والباحث الإقتصادي جاسم عجاقة، في حديث لجنوبية، أن الإشكالية الكبرى اليوم هي كيفية اجتماع الحكومة مع النواب المعنيين الأسبوع المقبل لمناقشة الموازنة، وكيف ستبرر ذلك للإدارة الأميركية، إضافة الى كيفية دفع الحكومة لمعاشات النائبين، وصولاً التداعيات الإقتصادية التي ستحصل نتيجة للوضع المستجد. ففي النقطة الأولى، قال عجاقة أن هذه هي المرة الأولى التي يطلب بها من الحكومة بهذا الشكل المباشر لعدم التعامل مع أشخاص أدرجوا على لائحة العقوبات، وهذا الأمر له تداعيات سياسية واقتصادية، أما ما هو أخطر هو التداعيات السياسية، فنحن أمام منع لحكومة بالتواصل مع نواب عن الأمة، وهذا ما ينص عليه الدستور اللبناني في المادة 29 منه، فالنائب يتمتع بحصانة مطلقة، وبالتالي العقوبات على نواب تعتبر تجريم له. وأشار الى أن المعضلة تكمن هنا بكيفية منع نائب من وظيفته والتي هي محاسبة الحكومة، بالتواصل معها، والأيام المقبلة ستوضح كيفية التعامل معها، أما مالياً، فأول أمر ظهر الى العيان، هو مسألة سوق سندات الخزينة، التي خسرت اليوم 2.36%، وهو رقم ليس من السهل خسارته بجلسة واحدة لأننا نعلم بأن سوق سندات الخزينة هو السوق التي تترجم فيه نظرة الأسواق المالية لأداء الحكومة بشكل عام، وهذا يعني أنه ومن بعد حادثة قبرشمون ومن بعد العقوبات الأميركية، هناك ترقب من الحكومة للقيام باجراءات معينة لتدارك الأمور، وبالتالي من الممكن تصنيف مسألة انخفاض سندات الخزينة كإشارة من سوق المالية للحكومة بأنها وضعت تحت المراقبة. ومن جهة أخرى، لفت عجاقة الى أن قضية دفع معاشات النواب المشمولين بالقرار الأميركي هي قضية معقدة قانونياً أولاً، أما المشكلة الثانية تكمن بأن الجكومة قد تتعرض لعقوبات اذا لم تنفذ القرار الأميركي وإذا تم ذلك فهذا يعني “خراب لبنان كله”. وفي ما يخص هذه القضية، قال: “دفع أجور النواب يمر عادة عبر القطاع المصرفي، وبالتالي المصارف اليوم مضطرة ان تقفل حسابات النائبين رعد وشري، وهنا من الممكن الخروج بحلول أخرى قد تقضي بالدفع نقداً لهما، وهنا نكون أمام حل للمشكلة المالية، ولكن هكذا سنكون أمام خرق واضح للدستور. إقتصادياً، المشكلة الكبيرة تتعلق هنا بمقررات مؤتمر سيدر، وذلك لأن الإدارة الأميركية هنا ستدخل عبر أجهزة وزارة الخزانة الأميركية، في التفاصيل للتأكد بأن لا أحد من المدرجين على لائحة العقوبات مستفيد من مشاريع المؤتمر، وهذا قد يؤدي لتأخير تنفيذ مقرراته.

أما على الصعيد النقدي، فلا يبدو أن لبنان سيعاني من مشاكل جراء القرار الأخير، وذلك لأنه يطبق بشكل كامل القوانين الدولية بسبب انه لا يملك خيارا آخر، مضيفاً: “أي خطأ من قبل القطاع المصرفي سيؤدي الى انهيار كامل وهذا الأمر لا يمكن تحمل عواقبه”. هل من إيجابيات؟ في هذا الشأن، اعتبر عجاقة أن وفي ظل هذا “الإطار الأسود”، هناك شيئ ايجابي، وهو أن هذه العقوبات فرضت على الحكومة أن تجتمع، وأصبحت أحداث قبرشمون بالمرتبة الثانية من ناحية الأولويات، لأننا الآن أمام مشكلة أكبر وأعمق، وأمر يهدد الكيان اللبناني أكثر من قضية قبرشمون.

مصدرالجنوبية
المادة السابقةبالصورة: “هجمة” للعمال السوريين في وزارة العمل… للحصول على إيجازات عمل
المقالة القادمةالحريري ترأس اجتماعا ماليا بحث في مشروع الموازنة في ضوء تعديلات لجنة المال