استأنفت المصارف عملياتها الاعتيادية بعد إقفال استمرّ لحوالي الأسبوعين، ما طرح العديد من علامات الاستفهام حول مصير الدولار وسعر الصرف من جهة، وحول الودائع وإمكانية سحبها من جهة أخرى.
وبعد هذه العودة الهادئة، بقي المشهد الاقتصادي والمالي على ما هو عليه، واتجهت الأنظار مجددا نحو التظاهرات التي تجددت ليل أمس، والتي ترافقت مع قطع للطرقات في العديد من المناطق اللبنانية.
كان لـ”الاقتصاد” مقابلة خاصة مع الخبير الاقتصادي د. حسن العلي، التي تحدث حول تداعيات إقفال الطرقات على الحركة الاقتصادية في لبنان، بالاضافة الى أزمة الدولار المستمرة منذ حوالي شهرين.
– ما هي الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد الوطني مع ظل استمرار قطع الطرقات؟
لا شك في أن الوضع الاقتصادي كان سيئا قبل بدء الانتفاضة الشعبية، ولكن بعد الحراك، ازدادت حدته وتحول نحو الأسوأ. اذ أن انتباه الناس بات موجها في الوقت الحاضر، نحو التظاهر، في حين فقدوا الاهتمام بالأسعار التي ترتفع أكثر فأكثر مع مرور الأيام، وبالضرائب المفروضة على المواد الغذائية، وبتدهور سعر صرف الليرة في السوق الرديف،…
كما أن قطع الطرقات يزيد من معاناة التصدير، الذي كان بالأساس يعاني، بسبب الحرب السورية وغيرها من الأمور. وهذا الأمر سيزيد الخلل في الميزان التجاري، وبالتالي سيرفع العجز. وبالاضافة الى ذلك، لن تتمكن الشركات الخاصة من الاستمرار في دفع الرواتب والأجور والضرائب والرسوم، في حين أن مداخيلها تتراجع شيئا فشيئا، وبالتالي سوف نشهد على زيادة في نسبة البطالة.
والأزمة الحاصلة ستطال حتما القطاع العام، عاجلا أم آجلا، وذلك لأنه يحصل بالأساس على مداخليه من القطاع الخاص. كما أن هذا الأخير هو الداعم الأول للحركة الاقتصادية في البلاد، أضف اليه المصارف التي تساهم أيضا بنسبة معينة.
من جهة أخرى، لا يجب أن ننسى صورتنا وسمعتنا، فكلفة السندات اللبنانية في الخارج باتت من الأغلى في العالم، وبالتالي فإن إمكانية حصول لبنان على التمويل أصبحت ذات ثمن أكبر، وذلك بسبب زيادة المخاطر على هذا التمويل. ومن هنا، نلاحظ أن تمويل عجز الدولة يؤدي الى عجز إضافي يتسارع في نموه، ما سينعكس زيادة في المديونية، زيادة في الضرائب، زيادة من الحرمان من التقديمات، وزيادة في الفساد.
ولعل المشكلة الأبرز، والتي تشكل كرة الثلج، نشأت بفعل إغلاق المصارف أبوابها خلال الفترة الماضية، والذي لا أجد له أي مبرر. فكل المقاصة كانت متوقفة، والمواطن غير قادر على القبض أو الدفع.
وتجدر الاشارة الى أن عودة المصارف الى العمل، تعتبر خطوة جيدة، مع العلم أن الأمور ستكون فوضوية الى حد ما، في الأيام الأولى، والسوق بحاجة الى الوقت لكي يستعيد استقراره.
– كيف يمكن توصيف أزمة الدولار الموجودة في السوق التي بدأت قبل الحراك؟
أزمة الدولار في لبنان مفتعلة، ولا علاقة لها بالثورة الحاصلة، بل كانت موجودة قبل بدء الحراك؛ فمنذ حوالي ثلاثة أشهر، لم يكن متاحا تحويل الودائع من الليرة الى الدولار، وبالتالي الأحداث الراهنة أدت فقط الى تفاقم هذه المشكلة الموجودة بالأساس. ولا شك في أننا نعيش في وضع صعب لكن التضخيم غير مقبول، خاصة في ظل الإشاعات والأخبار كاذبة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمسؤولية كل فرد أن لا يكون مطية أو جسر لإعادة نشر أخبار مضللة أو كاذبة أو غير صحيحة. وصحة الوطن من صحة المواطنين الشرفاء و المسؤولين فقط.
السوق يعاني حاليا من الفلتان، حيث وصل سعر الصرف الى حدود الـ1800، ولكن أرى أنه بعد مرور نحو أسبوع على إعادة فتح المصارف التجارية أبوابها، سيعود عامل العرض والطلب الى الاستقرار. وفي أسوأ الحالات، لا أعتقد أن الليرة ستنخفض بأكثر من 10% عن سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان.
من المؤكد وجود سعرين في البلاد؛ السعر الرسمي الذي حدده المركزي للأدوية، والنفط، والطحين، والسعر المتداول في السوق الرديف. ولهذا السبب، يجب أن تقوم مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، بدورها الأساسي، لحماية المواطن اللبناني.
أشدد هنا على ضرورة أن تكون كل المدفوعات في البلاد بالليرة اللبنانية، من أجل الحد من تأثيرات الشح في الدولار، ويجب أن يشمل هذا الأمر شركتي الاتصالات “ألفا” و”تاتش”، وبهذه الطريقة يمكن تهدئة الضغط الموجود على الدولار. فمن خلال وقف النزف، ستتحسن الأوضاع في البلاد، وسينخفض الطلب على الدولار؛ اذ سيتراجع استخدامه، ليقتصر الى حد ما على الاستيراد.
والآليات المتبعة من قبل المصرف المركزي، تعتبر جيدة، لأنها تمنع تهريب الدولار الى خارج الحدود اللبنانية، كما تمنع حفظه في الخزنات في المنازل.
وبالتالي أعيد لأؤكد أن أزمة الدولار التي حصلت قبل بدء الحراك، هي حتما مفتعلة. كما أن لبنان لا يعتبر بلدا منهارا، مع العلم أنه لدينا مصاعب كبيرة وتحديات كثيرة، نقديا واقتصاديا وماليا. لكنني أعتقد أن مشكلتنا الأساسية هي سياسية وليست نقدية.
ومن أهم أسباب هذه الأزمة المفتعلة:
أولا، محاولة المعنيين في لبنان معالجة النمو الاقتصادي شبه المنعدم والأزمة المالية عبر سياسات وإجراءات نقدية، ما أدى الى حصول ضغط على الليرة اللبنانية، وهذا الأمر غير علمي وغير منطقي.
ثانيا، العقوبات الأميركية على ايران، وبالتالي انخفاض الامداد المالي لحزب الله في لبنان والذي كان يستفيد منه السوق اللبناني بطريقة غير مباشرة عبر ضخ هذه السيولة بالسوق المحلي من خارج المصارف.
ثالثا، سحب بعض اللبنانين لودائعهم من البنوك اللبنانية ووضعها بالبيوت لاعتقادهم خطأً أن هذه الودائع بخطر عدم السداد من البنوك.
رابعا، استغلال ثغرات في النظام المصرفي اللبناني للمضاربة على الليرة والدولار من خلال قيام العديد من المودعين بالسحب بالدولار من الصراف الآلي، أو من خلال فتح حسابات آنية باللبناني وتصريفها الى دولار في المصارف، ومن ثم بيعها الى سوق الصرافين بسعر أعلى بكثير من السعر الرسمي.
خامسا، قيام بعض اللبنانيين بفتح شركات وهمية في لبنان تقوم بعمليات تصريف النفط والصادرات السورية المنشأ عبرها الى الخارج بأسعار مخفضة جدا شرط الدفع في لبنان وحتى لو كان ذلك بغير العُملة الاميركية، ومن ثم تصريف هذه العملات الى الدولار الاميركي في السوق الرديف في لبنان قبل نقلها برا الى سوريا؛ وهذا ما يفسر خروج أكثر من 2.5 مليار دولار من لبنان الى الخارج في أقل من شهرين.
سادسا، سحب بعض كبار المودعين الشيعة ودائعهم من البنوك والاحتفاظ بها في البيوت بسبب الخوف من العقوبات الاميركية التي قد تطالهم.