العمال مدعوون في الأول من أيار إلى إطفاء “شمعة” التبعية العمياء

عادة ما يتزين أصحاب العيد في المناسبات بأحلى الثياب. إلاّ العمال، يرتدون في الأول من أيار، حلّة النضال. الاحتفال بـ»عيد العمال العالمي» له طابعه الخاص. مكانه الشوارع والساحات، و»كعكته» المطالب والاحتجاجات، ومنظّموه الروابط والنقابات. هكذا درجت العادة في دول العالم. فأين هو لبنان هذا العام من الفعاليات المليونية، وعماله قابعون في قعر بؤسهم وشقائهم!؟

في الوقت الذي شلت فيه نقابات سريلانكا، «المفلسة» حديثاً، مثلنا، البلاد عشية عيد العمال، للمطالبة برحيل المتهمين بالمسؤولية عن الانهيار، لم يُعلن عن أي تحرك جامع يهز «عرش» المنظومة تحت «خبطة» أقدام العمال في لبنان. وباستثناء دعوة «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» للاحتفال في ساحة الشهيد جورج حاوي – الكولا، «خرس بارود» كل «متباكي المنابر» على واقع العمال.

النقابات حزبية لا عمالية

لكي لا نبقى مختبئين خلف «أصبع» الانكار، فان «المسؤولية عما آلت إليه أوضاع العمال مشتركة بينهم وبين من يمثلهم من نقابات واتحادات»، برأي أمين سر «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين»، عصام ريدان. «إذ إن ولاء العمال لم يعد لقضاياهم ولقمة عيشهم، إنما لأحزابهم الطائفية. فنراهم يتحزّبون داخل نقاباتهم، ويفتحون المجال لأحزابهم بأن تسيطر على القرار، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه هذه النقابات لكل العمال، بغض النظر عن إنتماءاتهم الحزبية والطائفية».

هجمة الاحزاب على النقابات من خلال أنصارها ومحازبيها، فعلت فعلها في البنية التنظيمية للعمال منذ أوائل التسعينيات. وأدت مع الوقت إلى إفراغ النقابات من مضمونها الجامع للعمال تحت السقف المطلبي. فتحولت النقابات إلى تجمعات حزبية عمالية لاصحاب اللون الواحد في السياسة»، يقول ريدان. و»فقدت قيمتها وثقلها التغييريين، وكُبلت يداها بمصالح الطوائف والاحزاب. ولم يعد هناك من يتابع مطالب وهموم العمال المحقة».

بقصد أو عن غير قصد، أطلق عمال لبنان النار على «قدمهم» النقابية بـ»رصاصة» الولاء للاحزاب الطائفية. فعطّلوا وسيلة الضغط الوحيدة القادرة على السير بهم لتحقيق مطالبهم المعيشية. وإن «عضّت» بعض جماعات منهم على الوجع وتحركت باستقلالية، فيصار إلى كسرها بالتشتيت المذهبي والطائفي. فتتفكك الوحدة العمالية سريعاً، ولا يعود هناك من قوة ضغط لتحقيق أي مطلب لخدمة اهداف العمال. والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.

البطالة تجتاح صفوف العمال

من أصل 1.8 مليون ناشط اقتصادي، بحسب الاحصاء المركزي، هناك أكثر من مليون شخص، يشكلون ما نسبتة 60 في المئة من القوى العاملة (مجموع عدد الأشخاص العاملين وعدد العاطلين عن العمل) عاطلين عن العمل. وهذه البطالة تأخذ شكلين أساسيين: سافرة ومقنّعة. «حيث تشير المعطيات إلى أن هناك 50 في المئة من العمال يعملون في قطاعات هشة، وبشكل موَقت، ومن دون أي ضمانات اجتماعية أو صحية، وبرواتب زهيدة جداً»، بحسب ريدان. وهذا ما يمكن اعتباره بطالة مقنعة. وباستثناء كبار الموظفين في المواقع العامة، المفتوحة على الرشاوى، فان معظم العمال تحت خط الفقر المدقع. وهم استنفدوا خلال العامين المنصرمين مدخراتهم، ولم يعودوا يملكون أي شيء ذي قيمة يبيعونه ليساعدهم على الصمود. وبالتالي سواء كان العامل يعمل أو عاطلاً عن العمل، فهو يعيش حتماً ما بين حدي الفقر والفقر المدقع. ما يمر به عمال لبنان يعتبر الأسوأ في تاريخهم. فبالاضافة إلى تدني الاجور غابت التقديمات، وأصبحت كلفة تحصيلها أضعافاً مضاعفة. وانعدمت قدرتهم على توفير أبسط حقوقهم من ماء وكهرباء وعلم واستشفاء بعدما عجزت الدولة عن تقديمها.

لتأسيس نقابات بديلة

أمام هذا الواقع لم يعد هناك من جدوى في السير بنظرية «التصحيح من الداخل»، من وجهة نظر ريدان. فالنقابات القائمة البالغ عديدها 625 نقابة تنضوي تحت 62 اتحاداً، «مسيطر عليها من القوى الحزبية النافذة التي تجمع بين يديها مقدرات البلد»، برأيه. و»بالتالي لم يعد من خيار لعمال لبنان إلا الاتجاه نحو تأسيس نقابات جديدة، بعيداً عن سطوة النقابات واتحاداتها المُهيمن عليها من الاحزاب في «الاتحاد العمالي العام»، وبقية الاتحادات المنشقة. وما يجري العمل عليه في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين يقوم على 3 أسس رئيسية وهي: نقابات حرة أي مستقلة، نقابات ديمقراطية، ونقابات فاعلة قادرة على تجميع عدد كبير من المتضررين في صفوفها، وقيادتهم إلى تحقيق مطالبهم. وقد أطلق المرصد العام الماضي برنامج اللقاء التنسيقي لنقابات حرة». وهو يعمل مع مجموعة كبيرة من جمعيات وهيئات المجتمع المدني على الطعن بشرعية الاتحاد العمالي العام والنقابات القائمة، لانها لا تمثل العمال، ولا تدافع عن قضاياهم. ويحضّر في المقابل لبناء نقابات حرة، تستلم زمام أمور قضايا العمال وتدافع عنهم. ويعمل على تهيئتها وتقوية عودها لتحقيق مطالب العمال.

إلى أن يتبلور مثل هذا النوع من النقابات، كمياً، سيبقى الصوت النوعي للعمال خافتاً، مهما اشتدت الازمات عليهم، وصعبت.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةالمستشفيات تُحذّر من استمرار عدم تأمين المصارف أموالاً نقدية لها
المقالة القادمةحسمها مجلس الوزراء: “ألفاريز اند مرسال” تتقاضى أتعابها من دون حسم