“الإسكافي حافي والحايك عريان”، مثَل ينطبق على موظفي البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً “حلا”. عشرات، بل مئات الموظفين مكلفون محاربة الفقر وهم فقراء يصارعون من أجل البقاء. أبسط حقوقهم المتمثلة بالرواتب، لم تصلهم منذ بداية العام. أجورهم المتدنية “أكلها” التضخم، فتحولت الـ 829 ألف ليرة التي يتقاضونها إلى 270 دولاراً، أو 8 دولارات في اليوم. لينضموا بذلك إلى مئات آلاف الفقراء.
إنها قصة شباب وشابات يحملون شهادات جامعية تتكرر في الكثير من الإدارات. ذنبهم الوحيد أنهم آمنو بالدولة وعدالتها. فكانت النتيجة في “الشؤون الإجتماعية” زبائنية وتسلطاً للمدراء المدعومين حزبياً وتخطي سلطة الوزراء والإقتصاص من الموظفين. وآخر فصول “حلا” إجبار المتعاقدين الذين لا يملكون أجرة “سرفيس” على الحضور والمداومة في مكاتب الوزارة. تصرّف يضعه أحد المتعاقدين في البرنامج في خانة “الإنتقام منهم ودفعهم إلى الاستقالة مكرهين”.
“لا معلقين ولا مطلقين”
الموظف الذي علم أخيراً من تصريح لـوليد جنبلاط بأن عددهم في المراكز 480 موظفاً، يقول انهم “لا معلقين ولا مطلقين”، حيث يتم التعامل معهم باستنسابية ولم يحصلوا على أي زيادة في الرواتب رغم مطالبتهم الحثيثة، ولا على سلسلة الرتب والرواتب أسوة بمستخدمي مراكز وزارة الشؤون الإجتماعية البالغ عددهم 800 موظف، والذين حصلوا أخيراً على السلسلة مع مفعول رجعي.
المتعاقدون استبعدوا عن مشروع دعم الأسر الجديد، والذي تحول من مساعدة عينية بقيمة 180 ألف ليرة، تشمل موادّ غذائية وسلعاً تنظيفية، إلى مساعدة نقدية بقيمة 400 ألف ليرة. وبدلاً من تكليفهم كفنيين، لديهم ما يكفي من الخبرة والمعلومات في المناطق ومع العائلات، وقد سبق وعملوا مع برنامج “حلا” منذ انطلاقه في العام 2011، جرى اقصاؤهم، وإيكال المهمة للقائمقاميات والجيش الذين سلموا نماذج الوزارة إلى المخاتير والبلديات لملئها. وهو ما سيسبب، برأي مصادر الموظفين، “الكثير من المشاكل أولاً، لجهة توزع الأسر جغرافياً وسكن الكثير منها منذ سنوات طوال خارج نطاق قراها أو مدنها. فمختار “مسقط الرأس” لا يعلم شيئاً عن وضع الأسرة، ومختار “محل السكن” يرفض تسجيل العائلات بحجة انهم من خارج المنطقة. وثانياً بسبب عدم تحديد آلية واضحة لإرجاع الإستمارات إلى الوزارة”. وعليه فان عملية الإحصاء الدقيقة والعادلة ستكون معقدة.
مليون فقير “معدم”
يبلغ عدد الأسر الفقيرة الذين يحملون بطاقة “حلا” نحو 44 ألف أسرة، جرى اختيارهم من أصل 105 آلاف أسرة كانت مدرجة في البرنامج الوطني لدعم الأسر أكثر فقراً. هذه الأسر ستستفيد تلقائياً من البرنامج الجديد. وسيضاف اليها عدد من المتوقع ان يصل الى حدود 150 ألف أسرة، المعطيات عنها موجودة في السراي الحكومي، أضحت تحت خط الفقر.
بحسب آخر الإحصاءات التي كشفت عنها مديرة مركز باسل فليحان المالي لميا مبيض فان “45 في المئة من السكان أصبحوا اليوم فقراء يعيشون بأقل من 4 دولارات يومياً، مع التوقع ان ترتفع هذه النسبة إلى 52 في المئة قريباً. اما نسبة الفقر أي الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1.9 دولار يومياً فتبلغ 22 في المئة من سكان لبنان. أي ان عدد معدومي الحال في لبنان يصل إلى حدود المليون شخص وهو رقم اكثر من خطير، ويتطلب سرعة ودقة كبيرتين في التدخل والمعالجة.
الخوف اليوم مقسّم إلى ثلاثة أجزاء أساسية: الاول، يتمثل في الخشية من عدم ذهاب المساعدات والأموال إلى مستحقيها الفعليين. حيث لا يجب الإعتماد بشكل أعمى على الطلبات المعبّأة، بل الذهاب بعيداً في التدقيق فيها ومعرفة ظروف أصحابها الفعلية. إذ انه بحسب مصادر “حلا” هناك امكانية كبيرة للتلاعب في الأسماء وإعطاء الاموال لمن ليسوا بحاجة على حساب المحتاجين فعلاً. وثانياً امكانية استغلال هذه البطاقات التي ستعطى بحسب الأسماء من قبل أزلام السلطة بواسطة المخاتير والبلديات الذين يدينون بشكل أعمى لهذه القوى، وبالتالي تحول هذه البطاقات إلى مشاريع انتخابية. أما ثالثاً، فهو الشك بقدرة الدولة على الاستمرار طيلة فترة الازمة في دعم الأسر. حيث ستبلغ كلفة مساعدة 150 ألف أسرة بـ 400 ألف ليرة نحو 60 مليار ليرة شهرياً. رقم وإن بدا صغيراً فهو دون المستطاع نظراً لتدهور الوضع الإقتصادي وعجز الدولة.
من هنا يظهر ان وضع خطة اقتصادية واضحة المعالم، وامتلاك جرأة طلب المساعدة المحترفة من “صندوق النقد الدولي”، لمراقبتها ومن ثم تمويلها يعدان الخلاص لمئات آلاف اللبنانيين، شرط الإلتزام بالخطة والكف عن السرقة والتقاسم والمحاصصة.