لا ينقص محافظة عكار سوى استغلال بعض أبنائها للأزمات، وتحوّلهم إلى تجار سوق سوداء. ما يحصل على محطات الوقود يُعدّ إذلالاً واستغلالاً وابتزازاً يومياً للمواطنين، الذين يحتاجون لمادتي المازوت والبنزين لتسيير شؤونهم اليومية. وقد ظهر من يستغل تلك الحاجة بأبشع طرق ممكنة، كان آخرها ظاهرة الغالون، التي تحوّلت إلى ركن أساسي في شبكة السوق السوداء للمحروقات.
يتمثل الركن الأول في تلك الشبكة بأصحاب بعض المحطات، الذين يعمدون إلى إقفال أبوابها بالرغم من توفّر الوقود فيها. وبدلاً من تشغيل المحطة للجميع، يروّجون لتعبئة المحروقات على «القطعة» بالغالون، بالاتفاق مع بعض السماسرة.
منذ بداية أزمة المحروقات، ظهرت الأزمة في محافظة عكار ونشطت السوق السوداء، من خلال تعبئة الوقود من بيروت في سيارات سياحية، ثمّ سحب المادة من السيارة بواسطة الأنانبيب إلى الغالون، وبيعها في عكار. وهذا ما بات يُعرف بالتهريب الداخلي «ضمن الأراضي اللبنانية»، من بيروت إلى عكار.
ثمّ تطورت الحالة بعد ما لجأت الكثير من محطات الوقود في عكار لتصريف مخزونها، إمّا إلى التهريب خارج الحدود، أو إلى التهريب الداخلي، وتعبئتها بغالونات، قبل بيعها في السوق السوداء.
غير أن لغالون البنزين ميزة فريدة، إذ تتراوح سعته بين ٨ و ٩ ليتر فقط، وسعره بين ٢٥ و ٣٥ ألفاً. وبالتالي، يصبح سعر صفيحة البنزين حوالي ٨٠ ألف ليرة لبنانية، وهذا ما شجّع المحطات على الإقفال، واللجوء إلى السوق السوداء بدلاً من السوق الرسمية، في ظل غياب تام للمراقبة.
ويأتي هذا نتيجة لتخاذل الدولة، وقلّة عدد المراقبيين في وزارة الإقتصاد مقارنة بمساحة عكار، علماً أن هذه الأسعار قد تصل أحياناً إلى مئة ألف ليرة للغالون، بحسب إلحاح صاحب الحاجة، والذي يزيد من إمكانية استغلاله.
وتدور هذه الأحداث دون أي مراعاة للخطر الناجم عن المتاجرة بالبنزين والمازوت بهذا الشكل. فهذا الوعاء البلاستيكي معدٌّ في الأساس لتعبئة المياه. وهو يتعرض لحرارة الشمس، ما يرفع من خطر الإنفجار والإشتعال السريع، كما أن المحروقات تتفاعل مع البلاستك لدى تعرضها لحرارة الشمس، فتقلّ كمية الغاز في الوقود، ما يسبب ضرراً بمحرك السيارات.