الغضب الاجتماعي على الأبواب: أسعار ودولار

إذا كان رئيس الحكومة توصّل مع مصرف لبنان الى توافق مع بداية العام لتهدئة الوضع الاجتماعي نوعاً ما، عبر خفض سعر صرف الدولار من 33 الف ليرة الى 20 الفاً، «مهما كان الثمن»، إلى حين حصول الانتحابات النيابية، فإنّ هذا التوافق أصبح في خطر اليوم، مع ارتفاع كلفة تمويل هذا الاتفاق، والاستمرار في الحفاظ على الاستقرار الذي ساد في الشهرين الأخيرين.

إعتمدت الأطراف السياسية نهج الصمت حيال سياسة دعم الليرة، لأنّه يصبّ في مصلحتها ويخفّف من حدّة الغضب الاجتماعي تجاهها قبل الانتخابات، ويستعيد ولاء قاعدتها الشعبية. واعتبر أصحاب القرار، انّ المقامرة والاستمرار في هدر ما تبقّى من عملات أجنبية في البلاد لصالح الحسابات الانتخابات النيابية، هو القرار الصائب لتمرير هذه الفترة، واستعادة الأصوات الانتخابية التي قد تكون انحرفت بعد الأزمة الاقتصادية تجاه أي وجوه جديدة معارضة نتيجة حالة الفقر والعوز والمرض، وبالتالي الإشمئزاز من الطبقة الحاكمة. لكن سيناريو الغضب الاجتماعي يعود اليوم ليتكرّر، مع إذلال المواطن اللبناني للحصول على لقمة عيشه وأدنى مكوّنات العيش الكريم. فقد تحوّل معيار الإذلال، من طوابير البنزين وانقطاع السلع الغذائية والدواء، التي عانى منها المواطنون قبيل فترة رفع الدعم عن السلع المستوردة، الى ذلّ يهدّد فعلياً أمنهم الغذائي والصحي، في ظلّ معاناة يومية لتأمين ربطة الخبز، ناهيك عن ارتفاع الأسعار بشكل صاروخي وعودة انقطاع السلع الأساسية رغم أسعارها الخيالية. ولكن السبب هذه المرّة لا يعود الى أزمة سعر الصرف والدعم، بل الى ارتفاع الأسعار عالمياً، وانعكاس ذلك محليّاً بشكل مضاعف، نتيجة عدم القدرة على تكثيف الاستيراد قبل ارتفاع الأسعار أكثر، بسبب النقص الحاد في السيولة النقدية بالعملات الاجنبية، وعدم قدرة مصرف لبنان على فتح اعتمادات أكبر لاستيراد كميات إضافية من المحروقات او القمح التي لا تزال مدعومة بنسب متفاوتة.

وبالتالي، إذا أرادت الطبقة الحاكمة الاستمرار في «اتفاق الهدنة»، أي في اتفاق مواصلة دعم الليرة ومنعها من معاودة الانهيار مجدّداً الى مستويات قد تفوق الـ33 الف ليرة مقابل الدولار هذه المرّة، فإنّ كلفة التمويل ستكون أكبر بكثير، وربما تفوق قدرات مصرف لبنان الذي لم يعد يملك سوى مليار دولار فقط محرّرة قابلة للاستخدام من ضمن احتياطه من العملات الأجنبية، بعد استثناء قيمة سندات «اليوربوندز» والاحتياطي الإلزامي للمصارف، حيث فقد البنك المركزي 23 مليار دولار من احتياطه منذ 2017. ووفق آخر أرقام ميزانيته، تراجعت موجوداته الخارجية بمبلغ قدره 292,68 مليون دولار خلال النصف الثاني من شباط 2022 الى 16,93 مليار دولار. وعند حسم محفظة «اليوروبوندز» التي يحملها، والبالغة قيمتها حوالى 5 مليارات دولار، تصبح قيمة احتياطاته الرسمية 11.90 مليار دولار.

وإذا كانت موجوداته الخارجية تراجعت في أسبوعين حوالى 300 مليون دولار نتيجة دعمه استيراد المحروقات والقمح وتدخّله في سوق الصرف وغيرها من الامور، فإنّ هذا الرقم مرجّح للإرتفاع في حال تقرّر مواصلة «الدعمين»: الاستيراد والليرة.

في المقابل، يحاول مصرف لبنان خفض نفقاته وتوفير بعض السيولة، من خلال توقفه أخيراً عن تسديد مستحقات التجار المتأخّرة منذ ايام «سياسة الدعم» القديمة، والتي أدّت إلى تراكم مبالغ مالية كبيرة لصالح تجار المواد الغذائية او الطبية والأدوية، والتي تعهّد وواظب مصرف لبنان على تسديدها بدفعات شهرية لهم منذ توقف الدعم، منهم تجار اللحوم الذين توقف المركزي عن دفع مستحقاتهم من السلّة المدعومة، وهي نسبة 5 % منها، مما يهدّد اليوم بفقدان اللحوم من الاسواق اللبنانية خلال أسبوعين.

وشرح نقيب تجار اللحوم جوزيف الهبر لـ«الجمهورية»، انّ إجمالي قيمة المستحقات المتبقية لمستوردي اللحوم والمواشي لدى مصرف لبنان، تبلغ بين 15 الى 20 مليون دولار. وقد توقف البنك المركزي منذ حوالى 3 اشهر عن تسديد الدفعات لهم والتي تبلغ 5 % شهرياً من قيمة المستحقات كان يسدّدها نقداً بالدولار، وانّ هذا الأمر يهدّد استيراد اللحوم بسبب عدم قدرة التجار على تسديد المتأخّرات السابقة للموردين، «وهو ما يعد مدير عام وزارة الاقتصاد ببحثه خلال الاجتماع مع البنك المركزي غداً الاربعاء، لأنّ النقابات الثلاث المعنيّة بهذا القطاع هدّدت بالتوقف عن الاستيراد، في حال عدم معاودة مصرف لبنان تسديد مستحقاتها».

كذلك الأمر بالنسبة لمستوردي المعدّات الطبية التي تبلغ قيمة مستحقاتهم لدى مصرف لبنان 32 مليون دولار منذ تشرين الثاني 2020، وهي عبارة عن متأخّرات ناتجة من سياسة الدعم القديمة التي انتهجها، والتي كان البنك المركزي يسدّدها «بالقطّارة» «وبدفعات شهرية لا تُذكر» وفقاً لما اكّدته نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ«الجمهورية».

اما بالنسبة للقطاع الصحي، أكد نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة لـ«الجمهورية» ان مصرف لبنان تعهد بتسديد ٣٥ مليون دولار شهريا من المتأخرات القديمة وبفتح اعتمادات بقيمة ٣٥ مليون دولار ايضا للاستيراد الجديد. وبالتالي، يقول جبارة ان الدين يبقى على حجمه كونه يسدد ٣٥ مليونا ويدين بـ ٣٥ مليونا جديدة. موضحا ان حجم مستحقات القطاع الصحي لدى مصرف لبنان يبلغ ٣٠٠ مليون دولار سيدفعها بالدولار و حوالي ١٠٠ مليون دولار تم الاتفاق على تسديدها وفقا لسعرصرف منصة صيرفة.

مصدرالجمهورية - رنى سعرتي
المادة السابقة“تطميناتٌ”… أخبارٌ “إيجابيّة” بشأن المحروقات
المقالة القادمةإنخفاضٌ في أسعار المحروقات!