يأمل المشرفون على قطاع التجميل في لبنان بتحويل تهديد الأزمة الاقتصادية الى «فرصة» للنهوض بهذا القطاع، عبر اجتذاب السياح والمغتربين للاستفادة من انهيار سعر صرف الليرة، وأصحاب الحسابات العالقة في المصارف ممن يخشون تبخّرها
هوس اللبنانيات (واللبنانيين) بعمليات التجميل دفع بأحد المصارف، عام 2007، إلى إطلاق «قرض الجمال» لتغطية مصاريف هذه العمليات التي كانت كلفة بعضها تصل إلى خمسة آلاف دولار. يومها، كان البلد لا يزال يلملم الآثار المدمرة لعدوان 2006 الإسرائيلي. في الأشهر الماضية، تراجع عدد عمليات التجميل بنحو النصف. إلا أنه تراجع يبدو مقترناً بتأثيرات «كورونا» أكثر منه بالأزمة الاقتصادية.
بحسب رئيس الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل الدكتور سامي سعد، «كان لبنان، قبل تراجع عدد السياح وخصوصاً العرب، بين الدول العشر الأولى في العالم من حيث عدد عمليات التجميل نسبةً إلى عدد السكان، وفي موقع الصدارة في الشرق الأوسط». وهو واقع دفع بشركة «ماكينزي»، في دراستها الشهيرة حول مستقبل الاقتصاد اللبناني، الى التركيز على أهمية قطاع عمليات التجميل، في معرض تناولها لواقع القطاع الصحي، مشيرةً إلى ازدهار هذه العمليات في السنوات الأخيرة وتحوّل لبنان إلى مقصد للكثير من الأجانب نظراً إلى رخص الأسعار مقارنةً بالولايات المتحدة وأوروبا، وأيضاً للزبائن للعرب الذين يرتاحون للتعامل مع أطباء من الخلفية الثقافية نفسها.
سعد لفت الى أن الأزمة الاقتصادية وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار «أثّرا بشكل كبير في عدد عمليات التجميل وأديا إلى انخفاضها بنسبة 50% تقريباً. التراجع طاول، تحديداً، عمليات الحقن بالبوتوكس والفيلر وهي مواد مستوردة يخضع سعرها لتقلبات سعر الدولار، وإن كانت بعض الشركات لا تزال تسعّر على أساس 2000 أو 3000 ليرة للدولار».
أكثر العمليات شيوعاً في لبنان، بحسب اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة وجراحة التجميل الدكتور إبراهيم الأشقر، هي «عمليات الأنف، يليها الحقن بالبوتوكس والفيلر. ويبلغ متوسط سعر إبرة البوتوكس أو الفيلر حوالى 300 دولار»، مشيراً الى أن «البعض يسعّر الإبرة على أساس 2000 ليرة للدولار، لأن الهم الأساس هو الاستمرار». أما جراحات التجميل فإن «أسعارها تختلف في حال أجريت في المستشفى أو في العيادة».
إلا أن المفارقة أن الأزمة الاقتصادية نفسها قد تكون سبباً في إعادة تنشيط «القطاع» في الأشهر المقبلة، ومساهمته في اجتذاب الـ Fresh Money. إذ يشكل المغتربون اللبنانيون والسيّاح العرب والأجانب الحصة الوازنة من زبائن عمليات التجميل في لبنان، وهو ما يعوّل عليه الأطباء بعد إعادة افتتاح المطار لإعادة إنعاش السياحة الطبيّة التجميلية، وخصوصاً أن هذه الفئة من الزبائن لا تتأثر بتقلبات سعر الدولار، لا بل إن تراجع سعر صرف الليرة يجعل الكلفة أرخص بالنسبة إليها. بحسب سعد، «بدأ العمل على إجراءات فعلية للاستفادة من تراجع سعر صرف الليرة، إذ أطلق وزير الصحة (حمد حسن) اللجنة الوطنية للسياحة الطبيّة والتجميلية التي تضم ممثلين عن وزارتَي السياحة والخارجية، لتشجيع هذا النوع من السياحة، وسنطلق موقعاً إلكترونياً يتضمن المعلومات الضرورية لمن يرغب بزيارة لبنان للعلاج أو لإجراء عمليات تجميل، لجهة كلفة العمليات وأتعاب المستشفيات والأطباء وكلفة الإقامة مع عروضات وغيرها…».
الأزمة الاقتصادية نفسها قد تكون سبباً في إعادة تنشيط «القطاع» في الأشهر المقبلة
وهذا، وفق سعد، «سيكون من شأنه استعادة قسم كبير من السيّاح الطبيين الذين قصدوا في السنوات الماضية دولاً أخرى للعلاج، كتركيا، نظراً إلى تدني الكلفة فيها بعد انهيار الليرة التركية». فيما يلفت الأشقر الى أن «كثيرين من زبائننا ممن احتفظوا سابقاً بدولارات في منازلهم واستفادوا من تقلبات في سعر الصرف، وكذلك ممن لم يتمكنوا من سحب ودائعهم من المصارف، وجدوا في عمليات التجميل فرصة للاستفادة من أموالهم مخافة أن تتبخّر، وخصوصاً أن أطباء كثراً قبلوا أن يكون الدفع بشيكات مصرفية».
رغم ذلك، يخشى عاملون في «القطاع» من أن «الإيجابية» التي قد تنتج عن أزمة صرف الدولار، قد تشكل أيضاً فرصة سانحة للاستغلال بما قد يشوّه صورة القطاع، عبر بيع مواد غير صالحة أو قليلة الجودة تُستخدم في عمليات التجميل. وبحسب سعد، «هذا الأمر ليس جديداً، ولا شك في أن البعض سيحاول الاستفادة من هذا الوضع والاتجار بصحة الناس، إلا أننا نعوّل على الأطباء الاختصاصيين والمحترفين وحسّهم المهني بما يحول دون وقوعهم في شرك استخدام منتجات مغشوشة».
أما الأخطر، فقد يكون في بروز «عيادات» و«أطباء» لا خبرة لهم في مجال التجميل لاصطياد الزبائن بأسعار مخفّضة، وهي مشكلة «بدأت اللجنة الوطنية للسياحة الطبيّة والتجميلية بالتصدي لها ومراقبة من يعملون في هذا المجال. وقد أعددنا لائحة بأسمائهم لإجراء المقتضى»، بحسب سعد، لافتاً إلى أن الموقع الالكتروني للجمعية (www.lspras.com) «يتضمن أسماء جرّاحي التجميل المرخّصين الذين نراقب عملهم ولا نكتفي بحيازتهم للشهادات».