بعدما شهد الدولار حالةً من الركود والاستقرار في الفترة الماضية بحدود الـ24000 ليرة تقريباً وقبلها على الـ20000، عادَ أمس الأربعاء متّخذاً منحاه التّصاعديّ – الاعتياديّ، ومُتخطّياً عتبة الـ26000 ليرة. تتعدّد الأسباب والنّتيجة واحدة: مواطنٌ متضرّر من كثرة الأعباء الاقتصاديّة، ورازحٌ تحتَ وطأة ما تُمليه عليه السياسات الماليّة الخاطئة.
واليوم، ومع التّخبّط الحاصل في السوق الموازية، يقول المستشار الماليّ ميشال القزح، في حديثٍ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ، إنَّ مصرفَ لبنان لا يستطيعُ متابعة العمل بمنصَّة “صيرفة” إلى ما لا نهاية. فما يحصل اليوم هو هدرٌ لما تبقى من احتياطيّ، والذي كان من المفترض أن يكون 14% من مُجمل الودائع ولم يتبقَّ حتَّى 14% منه.
ويتابع القزح قائلاً: “نظرياً، إذا كان مصرفُ لبنان صادقاً بالأرقام الّتي أقرّها حول موجوداتِه وحول الاحتياطيّ الإلزاميّ، يستطيعُ ضمان عمل صيرفة سنةً أخرى كحدٍ أقصى، وبعد ذلك، ستلجأ الدولة إلى بيع الذهب. وإذا توقّف عمل منصة صيرفة بعد نفاد الدولارات، سيتحوّل الاقتصاد إلى السّوق السوداء وسنرى ارتفاعاً للدولار بشكلٍ تصاعديّ حتَّى الوصول إلى التوازن بين العرض والطلب، وقد يصل مبدئياً إلى ما يزيد عن الـ50 ألفاً.”
ورأت مصادرُ اقتصاديّةٌ في حديثٍ لموقع “نداء الوطن الإلكترونيّ”، ألّا سقف للدولار؛ إنَّما التعميم 161 يلجم ارتفاعه الكبير، متوقعةً الانفجار الأكبر للدولار إذا ما توقف التعميم، وعلى الأرجح أنه سيتوقف مع شحّ دولارات المركزيّ وغياب الإصلاحات. فالدولار سيُعاوِد الارتفاعَ “الهستيري” وليس بالوتيرة التي نراها اليوم، ومن المحتمل أن يتخطَّى عتبة الـ60 ألفاً، خصوصاً مع الحاجةِ الكبيرة للدولار في الاقتصاد اللبنانيّ بشكلٍ يوميّ وبخاصَّة المحروقات.
وبهدف تفادي وقوع “الانفجار الكبير”، تُحاولُ الحُكومة اللبنانيّة إقرارَ خطّة التعافي الماليّ و”قانون الكابيتال كونترول”، ويعتبر القزح في هذا السياق، أنّ على هذا المشروع أن يترافق مع خطةٍ إصلاحيّةٍ كبيرة، بعكس ما يحصل اليوم، وهو بمثابة براءة ذمّة للمصارف. فمشروع الكابيتال كونترول له تداعياتٌ كبيرة، وكان من المفترض أن يُقر منذ 2019، وكنّا من خلاله، قد استطعنا الحفاظ على 30 مليار دولار. أما اليوم، وتحت الضغط، على هذا المشروع أن يُقَرَّ من دون تشعّبات وأن يكونَ مماثلاً للقانون الذي وضعته اليونان.
وتتابع المصادر قائلةً إنّ السلطة السياسية طالعتنا اليوم بـ”تحفة” تمرير مشروع الكابيتال كونترول تلبيةً لشروط صندوق النقد الدّوليّ، ببنود مخفيّةٍ تهدفُ إلى “تطيير” ما تبقى من الودائع في المصارف، ومن المحتمل أن نرى بعض المواطنين يلجأون لبيع ما يملكون من أجل تأمين الحاجاتِ الأساسيّة.
وندَّدت المصادر بسياسة الدعم العشوائيّة التي اتَّبعتها الدولة مع وقوع الأزمة، مُعتبرةً أنه كان يجب وقفُ الدعم آنذاك والحفاظ على ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان، من أجل استخدامِها في تطبيق الإصلاحات وخطة التعافي لإعادة النهوض باقتصاد البلد، مثلاً: في العام 2020 وبعد وقوع الأزمة، وصل احتياطيّ مصرف لبنان من العملات الصعبة إلى 31 مليار دولار، وتابعت السلطة الدعم العشوائي ليصل اليوم الاحتياطيّ إلى 8 مليار، “حارقين” بذلك ما يقارب الـ20 مليار دولار. أمَّا اليوم، فتستجدي السلطة صندوق النقد الدولي من أجل 3 مليارات. وبالتالي، لو كان لدينا رجال دولة وأصحاب قرار في لبنان، لكان توقَّف الدعم منذ 2019 وحافَظنا على الدولارات بهدفِ القيام بالإصلاحات المطلوبة، بحسب ما تتابع المصادر نفسها.
وفي ما يتعلّق بسياسة الدعم التي اتّبعها المصرف المركزيّ، يقول القزح: “ليس من واجب مصرف لبنان أن يُطبّق سياسة الدَّعم، بل كانَ بإمكان الدولة أن تُدخل الدولارات الفريش إلى الخزينة بطرقٍ مُختلفة، مثلا على ما يُعرَف بضريبة المطار عندما تضع 50$ أو 100$ “فريش” ضريبةً على تذكرة السفر، وهذا الأمر يُخوّل الدولة أن تدفع مصاريفها المخصصة بالدولار كالمعاشات التي تُدفَع للسفارات وبعض التّجهيزات التي تستوردُها للإدارات”.
ويختمُ بالقول: “يجب إعادة هيكلة الاقتصاد ككل، بالتزامن مع قرارات جديّة لوقف الانهيار، بدءاً من المحاسبة، وإدخال الفاسدين إلى السجون واستعادة الأموال المنهوبة، وإلّا سنبقى نعيش في ما يُشبه الغابة”.
إذاً السعر الحاليّ للدولار هو سعرٌ مُخفّض و”وهميّ” بفعل سياسة المركزيّ، في حين أنّ الانفجار الكبير بات قريباً والحلول بعيدة، في ظلّ انسداد الأفق وغياب الحُلول السياسية الفعليّة التي قد تنتشل لبنان من الهاوية والتي يبدو أنها قد رُحّلت إلى ما بعد الاستحقاقات القادمة.