وفق دبلوماسي غربي مخضرم فإن الملف اللبناني عاد للنقاش بشكل جدي في الأروقة الدبلوماسية الغربية، وهناك مجموعة عمل تشكلت منذ فترة من دبلوماسيين غربيين، يجمعهم في الوقت الحالي هدف واحد، هو دعم برامج عاجلة للأمم المتحدة لمساعدة للبنان، حيث ستركز البرامج على الأساسيات الإنسانية كالأمن الغذائي إلى الصحة والتعليم، بتمويل أوّلي قدره 300 مليون دولار للأشهر القادمة.
وفقاً للرجل فإن هذه البرامج تعني أن المجتمع الدولي استبدل تقديم المساعدات التنموية للبنان، التي كانت ستتم عبر مؤتمر “سيدر” للنهوض بالاقتصاد المقرونة بالإصلاحات، إلى تقديم المساعدات الإنسانية لدولة مهددة بالسقوط والانهيار والجوع.
ويرى المرجع الدبلوماسي أن الأمريكيين فوضوا الفرنسيين في الملف اللبناني، حيث إن بايدن بات مقتنعاً بنظرية ماكرون، التي تعني تجنيب لبنان خطر الارتطام الكبير بسبب الصراع الأمريكي مع طهران، وخاصة أن بايدن يعول على توقيع اتفاق مع طهران، ما يعني أن ملفات المنطقة ستعود للترتيب بين الجانبين، وسيكون لبنان أبرز الملفات التي ستؤدي حتماً لإيجاد تسوية بين الأطراف المتناحرة، ولكن حتى ذلك الحين يجب إبقاء لبنان صامداً بالحدّ الأدنى، وقادراً على مواكبة المفاوضات الجارية.
وفقاً للمصدر فإن بايدن أبلغ بعض اللبنانيين المقربين من حزبه ومن دوائر القرار الأمريكية أنه لن يقوم بأي فعل يضر بمصالح لبنان، وأنه سيعمل على سلسلة خطوات إنقاذية مع الفرنسيين والعرب لمنع السقوط اللبناني، ووفق المرجع فإن هؤلاء اللبنانيين فهموا من بايدن عدم اقتناعه بسياسة سلفه تجاه لبنان، أي “الضغط القاسي” الذي سيؤدي بإيران للهزيمة، وأنه ثبت عكسها في النهاية.
يعتقد المسؤول الغربي أن الزيارات للمسؤولين الغربيين ستتكثف في الأيام القادمة، وموفد الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل سيبلغ المسؤولين الأوروبيين ما سمعه من الرؤساء الثلاثة في لبنان، حول معوقات تشكيل الحكومة الإصلاحية العتيدة، وذلك في اجتماع مجلس الاتحاد ظهر الأحد، وأنه أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه يجري التحضير لمؤتمر إنساني عاجل، لكن المساعدات مقرونة في نهاية المطاف بتشكيل الحكومة لتتعامل الدول معها، وفقاً للرجل فإن الفرنسيين سيوفدون باتريك دوريل لبيروت، في إطار إعادة تفعيل مبادرة ماكرون مدفوعة بدعم الأمريكيين والفاتيكان، وسيكون حازماً مع من سيلتقيهم في بيروت.
ويعتقد الرجل أن الحلول في لبنان مقرونة دائماً بالتسويات، والطرف الخاسر الدائم هو “الذي يقرر ألا يتنازل”، والتاريخ اللبناني يُثبت ذلك، لا ينفي الرجل أن هناك قراراً جدياً لوضع مجموعة معرقلين لتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات على لوائح عقوبات أوروبية قاسية، وأن الموضوع ليس مزحة، إنما الموضوع يأخذ حقه في النقاش داخل الجسم المؤسسي للاتحاد الأوروبي، وأن الرغبة المشتركة الأوروبية متطابقة حول لبنان، وتحديداً بين الفرنسيين والألمان والبريطانيين، وأن الوقت لم يتأخر للخروج من النفق المظلم.
وفقاً للدبلوماسي الغربي فإن الجيش اللبناني يمثل للقوى الدولية صمام أمان محلياً، لا يمكن تركه ينهار مع انهيار وتحلل المؤسسات الأخرى، وأن الجيش ومعه القوى الأمنية الملاذ الأخير للمجتمع الدولي: الحفاظ عليها وتقديم المساعدات لها لاستمرار استقرارها، ومنع الأوضاع في البلاد من التدهور، وخاصة أن هناك تخوفاً من انفجار اجتماعي إذا ما بقيت الأوضاع الاقتصادية في الانزلاق، والجيش المتماسك هو الأساس في الدول المنهارة.
ووفقاً للرجل فإن واشنطن قررت وضع خطة تحرك حيال لبنان، تتعلق بدعم الجيش ومنع تعرض اللبنانيين للجوع والهجرة، وذلك قبيل إتمام الاتفاق النووي الجديد مع الإيرانيين، لأن انهيار لبنان لن يكون سوى إعلان هزيمة مدوية للدول التي قررت التعامل معه بمنطق العقاب، فيما الفريق المسؤول عن العقوبات لا يزال يتمتع بنفس القوة والحضور.
ويعتبر الدبلوماسي أن هذا الهاجس من تحلل لبنان الدولة والمؤسسات والنموذج تتقاسمه المرجعية الروحية المسيحية الأولى في العالم -أي الفاتيكان- مع باقي الدول، وخاصة أن البابا فرنسيس أبرق للرئيس الأمريكي بايدن، طالباً منه إنقاذ لبنان والعمل على استدراك الواقع فيه، وإبعاده عن الصراعات التي نشبت في المنطقة، وأن يوليه اهتماماً في لقاءاته مع قادة الدول الحاضرة في المنطقة، مؤكداً لبايدن أنه سيقيم في بداية الشهر القادم لقاءً لبنانياً جامعاً للمرجعيات الروحية، وأن هذا اللقاء سيكون باكورة سلسلة تحركات يعمل الفاتيكان بالتوازي عليها مع دول مهتمة بمساعدة لبنان.