يدفع تمزق “أنسجة” العملة الوطنية الفاقدة لـ”بلازما” الاصلاحات نحو استمرار “النزيف” الدولاري الحاد، فخسارة احتياطيات العملات الأجنبية المستمرة منذ العام 2019 ترتفع بصورة مطردة، حيث بينت أرقام الميزانية العمومية لمصرف لبنان انخفاض الأصول الأجنبية (الاحتياطيات) بمقدار 240 مليون دولار في شهر نيسان الفائت فقط، لتسجل بذلك تراجعاً بقيمة 1.6 مليار دولار منذ بدء العام الحالي. وفي المقابل زاد حجم الليرة الموضوعة في التداول بمقدار 4.4 تريليونات ليرة، ما يدفع إلى طلب هائل، مباشر وغير مباشر، على الدولار.
أمام هذا الواقع الذي يهدد بانخفاض “ضغط” العملة الوطنية، وموت الاقتصاد بـ”السكتة” النقدية، ما زالت المعالجات تقتصر على “مراهم” صيرفة وحقن الشرايين المهترئة بالدولارات من فئة “حقوق السحب الخاصة” النادرة. ففجوة العملات الأجنبية اتسعت “من 35 مليار دولار عشية 19 تشرين الاول 2019، إلى 75 ملياراً اليوم”، بحسب المصرفية الخبيرة في شؤون الطاقة كارول العياط، و”من المتوقع أن تزداد هذه الفجوة بمقدار 15 مليار دولار لتناهز 90 ملياراً في نهاية العام 2022، إذا بقينا سائرين على المنوال نفسه”.
وبحسب عياط فان “مصرف لبنان عشية الانهيار كان يملك من احتياطيات العملات الأجنبية ما يناهز 33 مليار دولار، وسندات من “اليوروبوندز” بقيمة 5 مليارات دولار، (كانت تقدر قيمتها الفعلية وقتها بحوالى 60 سنتاً للدولار)، وكانت في المقابل التزامات المركزي للمصارف تقدر بـ 72 مليار دولار. اليوم ومع انعدام الاصلاحات واستمرار نزيف الاحتياطيات، انخفضت الاخيرة إلى 11 مليار دولار وتدنت قيمة “اليوروبوندز” إلى 10 سنتات للدولار، في حين ارتفعت ديون المصارف في المركزي إلى 86 مليار دولار نتيجة عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار، والمقدرة بحدود 15 ملياراً، وتراكم الفوائد والمستحقات.
باختصار ان “لبنان يخسر مع كل إشراقة شمس 27 مليون دولار أكلافاً مباشرة، من دون احتساب الاكلاف غير المباشرة التي يتحملها الاقتصاد وقطاعاته الانتاجية والخدماتية”، وفق عياط، و”هي تمثل الكلفة الحقيقية لعدم إنجاز متطلبات الاصلاح والدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي”. والمشكلة، من وجهة نظر عياط، “ليست في الأزمة، إنما بإدارتها السيئة. فعدم الإمساك بزمام الأمور والبدء بالمعالجات الناجعة والفورية، فاقم المشاكل، لا بل أكثر من ذلك عمقها إلى درجة أصبح من المستحيل معها تحييد المودعين عن تحمل الخسارة الأكبر من أرزاقهم وجنى أعمارهم. ففي نهاية المطاف تبقى رساميل البنوك وأموال الدولة محدودة وأعجز عن تعويض حجم الفجوة الكبيرة الآخذة في الاتساع”.