الفريش دولار والتنازلات الأخرى

سريعاً تلقّفت المصارف التجارية، سلباً على المودع، تعميم مصرف لبنان الذي حمل الرقم 158، فبادر بعضها إلى تخفيض سقف السحوبات أكان للحسابات بالليرة اللبنانية أو للحسابات المفتوحة بالدولار على منصّة الـ 3900 ليرة. ورغم أنّ التعميم الأخير لمصرف لبنان الذي يمنح المودعين بالدولار ما قبل 31 تشرين الاول 2019 الحقّ بالحصول على 400 دولار فريش وما يعادلها بالليرة على سعر منصّة صيرفة اي 12 ألف ليرة لا يدخل حيّز التنفيذ إلا ابتداء من الأوّل من تموز، يبدو أنّ بعض المصارف بادرت إحترازياً الى توفير بعض أموالها عبر تخفيض سقف السحوبات قبل دخول تعميم المركزي حيّز التنفيذ.

ما يجري على الصعيد المالي اليوم لا يبدو منفصلاً عن المسار التشريعي لإقرار قانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب، والذي خرج من لجنة المال والموازنة بصيغة غير نهائية، فأتى على ذكر هوامش السحوبات والتحويلات من دون ان يحدّد الأرقام بشكل واضح وأكيد بانتظار الأرقام المطلوبة من مصرف لبنان وجمعية المصارف التي لم تصل الى اللجنة، ليُبنى على الشيء مقتضاه في الهيئة العامة.

في نظر البعض، فإنّ ما نشهده اليوم هو سباق بين تعاميم المركزي ومسار الكابيتال كونترول الذي إن كُتب له الإقرار فإنّه سيسمو بقيمته كقانون على كلّ تعاميم المصرف المركزي في الشأن المالي وسيلزم المصارف بالتنفيذ تحت طائلة العقوبات. ولم يخف عدد من النواب الذين خرجوا من الجلسة الأخيرة للجنة المال والموازنة توجّسهم من التعميم 158 الذي أتى بنظرهم ليقطع الطريق على قانون الكابيتال كونترول، خصوصاً انّ اللجنة لم تلقَ التجاوب اللازم من مصرف لبنان والمصارف التجارية بإعطائها الارقام الدقيقة، فأتت بنود القانون مُحدّدة بهوامش للسحوبات بين 15 و20 مليون ليرة نقداً من الحسابات بالليرة اللبنانية وبين 400 و800 دولار شهرياً من البنوك للحسابات بالدولار. أمّا بالنسبة للتحويلات الى الخارج من الحسابات بالدولار فهي محصورة في القانون بحاجات النفقات التعليمية وبعض الضرائب والرسوم وبعض العمليات الاستشفائية بسقف بين 25 و50 ألف دولار سنوياً للشخص الواحد.

من الواضح أنّ عدم التنسيق بين السلطتين السياسية والنقدية يثير الشكوك حول النيّات المبيّتة لدى البعض بحقّ المودعين ويجعلنا ندور في حلقة استنزاف الاحتياطي الإلزامي من دون أي خطط إصلاحية لازمة وتحديدا إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وعليه فإنّ فرحة المودع ببعض دولاراته الفريش قد تنقلب خيبة أمل قريباً عندما تتكشّف تفاصيل الشروط التي عليه الالتزام بها في المقابل، ومن بينها عدم قدرته على السحب من أمواله المتبقيّة على منصّة الـ 3900 ليرة، وهو ما سارعت المصارف الى تقنينه فور تبلّغها تعميم المركزي. أما الأكثر خطورة وتقويضاً للاقتصاد، فهو حجم الانفلاش المخيف في الكتلة النقدية، والذي سيؤدي حكماً الى تضخم، يتوقع خبراء أن يجعل سعر الصرف في السوق السوداء بلا سقف، وأن يقوده على سبيل المثال الى الـ 20 ألف ليرة في غضون الاسبوعين المقبلين.

 

مصدرليبانون فايلز - ميرا جزيني
المادة السابقةأزمة الوقود تتفاقم والمحطات تتجه للإغلاق في لبنان
المقالة القادمة“بحكم الملغاة”.. إعلان عن جوازات السفر والوثائق المفقودة أو المسروقة