بعد مضيّ 18 عاماً على مخالفة القانون، عادت رئاسة منشآت النفط لتكون واحدة من مهمات المدير العام للنفط. تلك خطوة لطالما دعت إليها الهيئات الرقابية من دون أن يقوم أيّ من الوزراء المتعاقبين منذ عام 2002 بتنفيذها. المحاصصة السياسية كانت أقوى من القانون، ولا تزال. لكن اللحظة فرضت نفسها، لم يعد بالإمكان المحافظة على منصب صاحبه فارّ من وجه العدالة
تكليف المديرة العامة للنفط «بصفتها الوظيفية، بصورة مؤقتة، إدارة منشآت النفط»، أتى ليعيد تصويب اعوجاج قانوني يعود إلى عام 2002. قرار وزير الطاقة ريمون غجر تكليف أورور فغالي برئاسة المنشآت، بالرغم من أن مبرّره الأول كان شغور رئاسة منشآت النفط بعد هرب رئيسها سركيس حليس من وجه العدالة، وتخلّفه، بالتالي، عن عمله لأكثر من شهر، إلا أن القرار لطالما كان مطلباً للهيئات الرقابية. تلك أكدت، ولا تزال، أن الوزراء المتعاقبين منذ عهد الوزير محمد عبد الحميد بيضون وحتى اليوم، لم يحترموا المرسوم الاشتراعي الرقم 79 تاريخ 17/6/1977 (يحدد الأصول المالية والاقتصادية والتنظيمية لمنشآت النفط)، الذي ينص على وجوب أن يكون المدير العام للنفط في وزارة الطاقة، بصورة مؤقتة، هو نفسه رئيس المنشآت. المؤقت هنا مرتبط بإنشاء الأجهزة المختصة لإدارة المنشآت، والتي يفترض أن تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وبما أن المرسوم لم يصدر منذ عام 1977 حتى اليوم، فإن المدير العام للنفط هو حكماً رئيس المنشآت. لذلك، فإن تفسير ما ورد في قرار غجر («بصورة مؤقتة») بأنه تعيين مؤقت لفغالي إلى حين تعيين رئيس أصيل للمنشآت، لم يكن دقيقاً. المؤقت هنا مرتبط بإنشاء الأجهزة المختصة لإدارة المنشآت. والأمر لطالما كان على هذا المنوال، على ما تظهره القرارات الوزارية منذ صدور المرسوم الاشتراعي حتى عام 2002. في 15/7/1977، صدر القرار التنفيذي الأول للمرسوم الاشتراعي عن وزير الصناعة والنفط آنذاك ميشال ضومط، وجاء فيه حرفياً: «تؤلف لجنة برئاسة المدير العام للنفط…، مهمتها معاونة المديرية العامة للنفط في ممارسة المهمات والصلاحيات التي كانت تمارسها الهيئة المؤقتة لإدارة منشآت النفط اللبنانية الملغاة». والأمر نفسه حصل في عام 1991 على سبيل المثال، حيث أصدر وزير الصناعة والنفط محمد الجارودي، قراراً ينص، في مادته الأولى، على أن «تؤلف لدى وزارة الصناعة والنفط – المديرية العامة للنفط، لجنة برئاسة المدير العام للنفط، مهمّتها معاونة وزير الصناعة والنفط في ممارسة المهمات والصلاحيات اللازمة لإدارة منشآت النفط…».
نقطة التحوّل كانت في 16/8/2002، مع تعيين بيضون النائب الحالي اسطفان الدويهي رئيساً لمنشآت النفط في طرابلس والزهراني. ذلك القرار كان الأول الذي يبعد المدير العام للنفط عن رئاسة اللجنة، ويعيّن رئيساً من خارج الملاك. وقد بقي الدويهي في منصبه حتى انتخابه نائباً في عام 2005، بالرغم من أن القرارات الصادرة عن هيئة التفتيش المركزي (القرار الرقم 37/2003) ومجلس الخدمة المدنية (25 أيلول 2002) أكدت عدم قانونية القرار الصادر عن وزير الطاقة ومخالفته لأحكام المرسوم الاشتراعي 79/1977. وقد أفاد مجلس الخدمة، رداً على كتاب من رئاسة مجلس الوزراء، أن «المدير العام للنفط هو نفسه الذي يتولّى بصفته الوظيفية وبصورة مؤقتة إدارة منشآت النفط إلى حين إنشاء الأجهزة المختصة لهذه الغاية». وأكثر من ذلك، أشار القرار إلى أنه «يتوجب على المدير العام للنفط القيام بما يلزم لهذه الجهة، كونه وبصورة حكمية – رئيساً لإدارة منشآت النفط دون الحاجة إلى صدور نص بذلك، وفي حال صدور نص فهو لا يعدو عن كونه نصاً إعلانياً لا أكثر».
موقف الهيئات الرقابية لم يغيّر في الواقع حينها. وقد استمرت المخالفة مع تعيين الوزير موريس صحناوي، في 13 كانون الثاني 2005، سركيس حليس رئيساً للمنشآت، حيث استمر في منصبه 15 سنة، بالرغم من كل الاعتراضات الرسمية التي كانت تبديها المديرية العامة للنفط. ومع تكريس أمر واقع يضع المنشآت ضمن حصة تيار المردة، صار منصب رئيس المنشآت رقماً صعباً، وصار حليس يوقّع المراسلات والقرارات بصفته «المدير العام/ رئيس لجنة المنشآت»، بما يوحي أنه برتبة مدير عام. أورور فغالي نفسها سبق أن سعت مع وزراء الطاقة إلى إعادة إدارة منشآت النفط إلى كنف المديرية، مستعينة بكل قرارات الهيئات الرقابية، وبينها استشارتان لهيئة الاستشارات والتشريع (22/7/2004 و3/81994)، وخلاصتهما أن المنشآت تُعتبر جهازاً إدارياً من أجهزة وزارة الطاقة… وأن الصلاحيات المعطاة للمديرية العامة للنفط هي كمدير مؤقت للمنشآت. لكن لما لم تلق الجواب، رضخت للأمر الواقع، وفضّلت الابتعاد عن وجع الرأس، على ما يقول مقرّبون منها، قبل أن تقرر مجدداً تحريك الملف بعد الظروف التي استجدّت.
إزاء المعطيات التي راسلت المديرية العامة للنفط غجر بشأنها، طلب رأي مجلس الخدمة المدنية، في 2 حزيران الماضي بشأن العلاقة بين المديرية والمنشآت. وقد أشارت إدارة الأبحاث والتوجيه في المجلس، في 25 حزيران، إلى أنه «في ضوء عدم إنشاء الأجهزة المختصة لإدارة منشآت النفط وبناءً على المادة الرابعة من المرسوم الاشتراعي 79/77 يتولّى المدير العام للنفط، بصفته الوظيفية وبصورة مؤقتة، إدارة المنشآت». كما طالبت الوزارة باتخاذ الخطوات الآيلة إلى وضع تصور شامل لمنشآت النفط في لبنان ودورها الآني والمرتقب واتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لإدارة هذا الملف وفق الأطر التنظيمية والمالية المرعية». وهذا الرأي عاد وثبّته المجلس في قراره الصادر في 17 تموز الحالي، معيداً التأكيد على وجوب أن تُدار المنشآت، بصورة مؤقتة، من قبل المديرية العامة للنفط بحالتها الحاضرة. وهو ما التزم به غجر في القرار الرقم 117 الصادر في 24 تموز، والقاضي بتولّي فغالي إدارة المنشآت.
لكن بما أن فغالي مدعى عليها في قضية الفيول المغشوش، فقد أثار ذلك علامات استفهام بشأن قانونية تعيينها فيما هي متّهمة. غجر أكد أن قراره جاء بناءً على قرينة البراءة وحتى صدور أحكام تدين الموظف وبناءً على استشارة مجلس الخدمة المدنية. أما مصادر المجلس، فأوضحت أنه طالما القضاء لم يكفّ يد الموظفة أو يمنعها من أداء عملها، فهذا يعني أن عليها أن تمارس مهماتها كما ينصّ عليها القانون، إلى حين صدور الحكم (الأمر نفسه حصل مع رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلّوم). وبالتالي، فإن تكليفها بإدارة المنشآت هو تأكيد على واحدة من وظائفها المحددة قانوناً.
بناءً عليه، رأت مصادر مطّلعة أن قول المكتب الإعلامي لغجر بأن «القرار ذات طابع تكليف مؤقت ولا يتّسم بطابع التعيين الدائم، والمؤقت يزول مع زوال أسبابه»، لم يكن في موضعه، لأنه شكّل تبريراً لتكليف قانوني ليس بحاجة إلى تبرير.
المصدر: الأخبار- إيلي الفرزلي