القاتل الاقتصاديّ

حيث تنخرط الأوساط الليبرالية وجماعات الثورات الملوّنة وقوى التبعية والفساد في هارموني سياسي إعلامي، يمجّد البنك وصندوق النقد الدوليين، ويسوّق سياساتهما وإملاءاتهما كحل إنقاذي للأزمات الاقتصادية، تتوالى بالمقابل شهادات وإصدارات غربية تكشف الوجه القبيح والإجرامي والتدميري لهذه المؤسسات بوصفها من أخطر أدوات الهيمنة والتجويع الإمبريالية، التي تتخذ من الشمولية (عنوان السيادة والدعم الاجتماعي) هدفاً لحملاتها.

وحيث تجادل مراكز الدراسات الاستراتيجية والأكاديمية التابعة لأقلام الاستخبارات الإمبريالية بأن التشكيك في المؤسسات المذكورة، يعود لمتحزّبين أو حاسدين وأيديولوجيين مناهضين لها شرق العالم وجنوبه، فإن التشكيك اليوم ونشر الغسيل الاقتصادي والسياسي والإعلامي، يأتي من قلب الإمبريالية وليس من موسكو أو بكين أو طهران أو دمشق.

إضافة لنعومي كلاين (عقيدة الصدمة ورأسمالية الكوارث، والرفض ليس كافياً)، وأولريش شيفر (انهيار الرأسمالية)، وباتريك دينين (لماذا فشلت الليبرالية)، وجوزيف ستيجليتز (السقوط المدوّي)، وآلان دونو (نظام التفاهة)، وديفيد غريبر (في نقد مشروع الديمقراطية)، وديفيد ريف (عار الجوع)، وديفيد سيبوسكي (التفكير الكارثي)، وجيمس برايدل (عصر مظلم جديد)، ودراسات تشومسكي وايكه وبادي وتورين وموران (دراساته حول البربرية الأوروبية)… إلخ، فإنّ كتاب جون بيركنز (اعترافات قاتل اقتصادي) يتخطّى المراجعات والمحاكمات وحتى الشهادات عن وعن إلى شهادته الشخصية ودوره كضابط مخابرات أميركية متخفٍّ على شكل خبير اقتصادي.

اعترافات قاتل اقتصادي
تعود جذور القاتل الاقتصادي إلى روزفلت والتجربة الإيرانية خلال (حكومة مصدق) في بداية الخمسينيات، حين أرسلت واشنطن عميل وكالة الاستخبارات المركزية كيرمت روزفلت (حفيد الرئيس ثيودور روزفلت)، الذي عمل بذكاء منتزعاً تأييد البعض بالمال والتهديد.

بعد ذلك نظّم أعوان الشاه سلسلة من أعمال الشغب والمظاهرات العنيفة في الشوارع، مما خلق الانطباع بأن الرئيس مصدق لم يكن ذا شعبية أو كفاءة. وفي نهاية المطاف، سقط مصدق وقضى بقية حياته في الإقامة الجبرية في بيته، وأصبح الشاه محمد رضا، المؤيد للسياسة الأميركية، الدكتاتور الذي لا ينافس (أسقطته الثورة الإسلامية لاحقاً)، لكن كيرمت روزفلت أسس لمهنة جديدة هي (القاتل الاقتصادي).

القاتل الاقتصادي: ضابط مخابرات أميركي تدفع له الشركات
يقول بيركنز: عندما تساءل ناشر الكتاب إن كنا حقيقة نصف أنفسنا بالقتلة الاقتصاديين، فأجبت بنعم، وإن كان ذلك باستخدام الأحرف الأولى من هذا التعبير. والحقيقة أن مدرّبتي كلودين، يوم بدأت معها عام 1971، قالت لي، “مهمتي هي أن أشكّلك لتصبح قاتلاً اقتصادياً، وليس لأحد أن يعرف ما تفعله-حتى زوجتك”. ثم تحوّلت إلى الجد وقالت: “حين تدخل، تدخل إلى الأبد”.

هكذا أخبرتني كلودين أن ثمة غايتين رئيسيتين لعملي. أولاهما أنّ عليّ أن أبرز القروض الدولية الضخمة التي سوف تعيد المال إلى شركة مين والشركات الأميركية الأخرى (مثل بكتل، هاليبيرتن، ستون ووبستر، براون وروت) من خلال المشاريع الهندسية والإنشائية الكبيرة.

وثانيهما أنه كان مطلوباً مني العمل على إفلاس الدول التي تتلقّى تلك القروض (بعد أن تسدّد مستحقّاتها لشركة مين وغيرها من الشركات الأميركية، طبعاً) بحيث يمسك الدائنون برقابها أبداً، فتغدو أهدافاً سهلة حين نطلب منها خدمة ما، مثل إقامة قواعد عسكرية في أراضيها، أو التصويت لصالحنا في الأمم المتحدة، أو الحصول على النفط أو الموارد الطبيعية الأخرى.

إنّ الجانب المسكوت عنه في كل واحد من هذه المشاريع هو أن الغاية منها خلق أرباح كبيرة للمقاولين، وإسعاد حفنة من الأسر الغنية المتنفّذة في الدول المستدينة. وفي الوقت ذاته ضمان وقوع حكوماتها في تبعية مالية طويلة الأجل، وما يستتبع ذلك من ولاء سياسي. وكلما كان القرض أكبر كان أفضل.

أما حقيقة أن العبء الذي يوقعه الدين على عاتق الدولة المعنية سوف يحرم مواطنيها الأشد فقراً من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى لعشرات السنين، فأمر لا يؤخذ في الاعتبار. ذلك أننا، نحن القتلة الاقتصاديين، بارعون في صنعتنا، فلقد تعلّمنا من التاريخ، أننا اليوم لا نحمل السيوف ولا نلبس الدروع أو ما يميّزنا من ملابس.

كانت هذه أخوية شديدة الترابط بين قلة من الرجال ذوي الأهداف المشتركة، يتنقل أعضاؤها كثيراً وبسهولة بين مجالس إدارة الشركات وبين المناصب الحكومية. وقد أدهشتني أن رئيس البنك الدولي، روبرت مكنمار، كان مثلاً نموذجياً. فقد انتقل من منصبه كرئيس لشركة فورد للسيارات، إلى الدفاع تحت رئاسة كلّ من كندي وجونسن، ثم تبوّأ أعلى منصب لأقوى مؤسسة مالية في العالم.

مهام بيركنز:

– الإكوادور

– بنما

– السعودية

الإكوادور: جمعية الموز والنفط

بدأ الاستغلال الرسمي للنفط في حوض الأمازون التابع للإكوادور في وقت متأخر من ستينيات القرن العشرين، ونتج عنه شراء كثيف جعل مجموعة الأسر القليلة التي تدير البلاد تعمل لصالح المصارف الدولية. فقد حمّلوا بلادهم أحمالاً ضخمة من الديون معزّزة بوعد من عائدات النفط. فظهرت في طول البلاد وعرضها طرق ومناطق صناعية، وسدود كهرومائية، وأنظمة نقل وتوزيع، وغيرها من مشاريع الطاقة، ومرة أخرى، أثّرت شركات الهندسة والبناء العالمية.

وفي العام 2003، بدأت الثقافات المحلية تدافع عن نفسها. من ذلك أن مجموعة من المحامين الأميركيين تمثّل أكثر من 30 ألفاً من أهل الإكوادور المحليين أقامت دعوى قضائية بقيمة مليار دولار أميركي ضد ائتلاف شيفرن-تكساكو. وتستند الدعوى إلى أن هذا المارد النفطي، بين عامي 1971 و1992، كان يلقي يومياً في الآبار المفتوحة والأنهار أكثر من 4 ملايين غالون (نحو 15 مليون لتر) من المياه العادمة السامة الملوّثة بالنفط. والمعادن الثقيلة والمسرطنات، وأن الشركة تركت خلفها نحو 350 حفرة عادمة غير مغلقة لا تزال تقتل البشر والحيوان.

والنتيجة أن مساحات شاسعة من الغابات قد قضي عليها، وأن الببغاء الأميركية الضخمة والنمور المرقّطة قد اختفت، وأن ثلاث ثقافات محلية أكوادورية تكاد تنهار، وأن أنهاراً أصلية النقاء تحوّلت إلى بالوعات ملتهبة.

ويتابع القاتل الاقتصادي ذلك أنه بسببي وسبب زملائي من القتلة الاقتصاديّين أصبحت الإكوادور في حالة يرثى لها اليوم مقارنة بما كانت عليه قبل أن قدّمناها للمعجزات الاقتصادية والمصرفية والهندسية الحديثة. فمنذ عام 1970، في الفترة المعروفة بالازدهار النفطي، ارتفع معدل الفقر، بحسب الحساب الرسمي، من 50 إلى 70%، وارتفعت نسبة البطالة من 15 إلى 70%. ازداد الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، بينما انخفضت حصة المشاركة في المصادر الطبيعية المخصصة للفقراء من 20 إلى 6%. من حسن الحظ أن الإكوادور لم تكن استثناء للقاعدة، فكل بلد جلبناه، نحن القتلة الاقتصاديين، إلى مظلة العالمية أصابه القدر ذاته.

ذلك أن دين العالم الثالث ازداد إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار. وقد بلغت كلفة خدمة هذا الدين-وهو أكثر من 375 مليار دولار في السنة اعتباراً من عام 2004-أكثر مما ينفقه العالم الثالث كلّه على الصحة والتعليم، وهو يساوي 20 ضعف ما تتلقّاه الدول النامية من مساعدات خارجية.

الولايات المتحدة تغزو بنما
“كان وزير الخارجية شلتز مديراً تنفيذياً سابقاً لشركة البناء متعدّدة الجنسيات بكتل، وكان وزير الدفاع كاسبر وايببيرغر نائب رئيس بكتل. ولن يكون ما هو أحب على نفسها من أن تجني مليارات الدولارات التي سيولّدها بناء القناة… كانت إدارتا ريغان وبوش تخشيان إمكانية أن تستولي اليابان على مشروع بناء القناة المقبل! ولم يكن هناك قلق أمني في غير محله فحسب، بل ثمة أيضاً مسألة التنافس التجاري. ذلك أن شركات البناء الأميركية مقدّر لها أن تخسر مليارات الدولارات”.

أعيدت إلى الحكم في بنما أسرة آرياس، وهي القلة الحاكمة قبل تورجيس. والتي كانت ألعوبة بيد الولايات المتحدة منذ اقتطعت بنما من كولومبيا حتى استلم تورجيس الحكم، وحتى اغتياله من قبل واشنطن.

صفقة القرن مع السعودية
في إثر أزمة النفط التي تزامنت مع حرب تشرين، بدأت مفاوضات سعودية أميركية نتج عنها منظمة في غاية الغرابة، هي اللجنة الأميركية السعودية الاقتصادية المشتركة (جيكور)، التي انطوت على فكرة مبتكرة هي عكس برامج المساعدات الأجنبية التقليدية، ذلك أنها اعتمدت على المال السعودي لتشغيل الشركات الأميركية في بناء السعودية. مين، وبكتل، وبراون وروت، وهلبيرتون، وستون ووبستر، والكثير من المهندسين والمقاولين الأميركيين.

وبحسب القاتل الاقتصادي: وإذا لم يكن لدينا اسم رسمي لهذا المشروع، لأنه لم يزل في طور البحث والتطوير ولم يكن بعد جزءاً من جيكور، كنا نشير إليه-همساً-باسم “ساما”. وكان هذا الاسم ظاهرياً يعني مسألة غسيل المال السعودي. ولكنه كان أيضاً لعباً بالألفاظ، لأن المصرف المركزي في المملكة يحمل الاسم المختصر ذاته (باللغة الإنكليزية).

وببساطة، إن معرفة الدول الأخرى بما يمكن للسعودية عمله يثنيها على المدى البعيد حتى عن التفكير بالحظر. مقابل هذا الضمان، تقدّم الولايات المتحدة لآل سعود عرضاً مغرياً: التزاماً بتقديم دعم سياسي وأمني إن لزم الأمر، وفي هذا توكيد استمرار وجودهم كحكّام لبلدهم. كان هذا عرضاً لم يستطع آل سعود رفضه، بالنظر إلى موقعهم الجغرافي وافتقارهم إلى القوة العسكرية، وضعفهم العام أمام جيرانهم، كإيران، وسوريا، والعراق.

لذلك من الطبيعي أن تستخدم واشنطن تميّزها في فرض شرط آخر حسّاس، شرط أعاد تحديد دور القتلة الاقتصاديين في العالم، ومثّل نموذجاً حاولنا لاحقاً تطبيقه في دول أخرى، أهمها العراق. وبالنظر إلى الخلف، أجد أحياناً صعوبة في فهم قبول السعودية لهذا الشرط.

ومع أن بقية العالم العربي، وأوبك، والدول الإسلامية الأخرى أصيبت بالفزع حين اكتشفت الصفقة التي أذعن فيها البيت الملكي لمطالب واشنطن. كان الشرط أن تشتري السعودية بمال نفطها سندات مالية تصدرها حكومة الولايات المتحدة، وبالمقابل تنفق دائرة الخزينة الأميركية فوائد هذه السندات بطرق تجعل السعودية قادرة على الخروج من مجتمعها المتخلّف إلى العالم الصناعي الحديث.

بتعبير آخر، سوف تستعمل الفائدة المتحقّقة من المليارات المكتسبة من نفط المملكة لكي تدفع للشركات الأميركية لتحقيق الرؤية التي قمت أنا (وبعض المنافسين، كما أفترض) بوضعها لتحويل السعودية إلى قوة صناعية حديثة. وبهذا تستخدمنا دائرة الخزينة التابعة لدولتنا على حساب السعودية لبناء مشاريع بنية تحتية، بل مدن كاملة في أرجاء شبه الجزيرة العربية.

بالرغم من أن السعوديين احتفظوا بحقهم في اقتراح ما يتعلّق بالطبيعة العامة لهذه المشاريع، فالحقيقة أنّ مجموعة مصطفاة من الأجانب (أو الكفّار، كما يراهم المسلمون)، هم من كانوا يقرّرون المظهر المستقبلي والبنية الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية. وهذا ما حدث في مملكة أسست على المبادئ الوهابية المحافظة.

فنزويلا، فشل القاتل الاقتصادي
النفط الفنزويلي مهم لاقتصاد العالم كله، فقد كانت فنزويلا رابع أكبر مصدّري النفط، وثالث أكبر مزوّدي الولايات المتحدة. وتشكّل شركة نفط فنزويلا، بموظفيها الـ 40 ألفاً ومبيعاتها البالغة 50 مليار دولار في السنة، 80% من عائدات التصدير.

وخلال حظر تصدير النفط عام 1973، صعدت أسعار النفط إلى عنان السماء، فتضاعفت الميزانية الوطنية لفنزويلا أربعة أضعاف، مضى القتلة الاقتصاديون إلى عملهم، وقامت المصارف الدولية بإغراق البلاد بقروض غطت مشاريع البنية التحتية.

بعد ذلك انهارت أسعار النفط، ولم تعد فنزويلا قادرة على سداد ديونها. وفي عام 1989، رفض صندوق النقد الدولي إجراءات تفتيشية وضغط على كراكاس لدعم سلطة الشركات بوسائل أخرى عديدة. فكانت ردة فعل الفنزويليين عنيفة، وقتل في أعمال الشغب أكثر من مئتي نسمة، وتحطّمت صورة النفط كمورد لا قعر له.

في هذه الظروف انتخب شافيز رئيساً عام 1998، وقد قام تشافيز فوراً بإجراءات حادة، ضد أميركا و “إمبرياليتها الوقحة”، وهاجم العولمة بقوة، وسنّ قانوناً للهيدروكربون يذكّرنا، حتى في اسمه، بالقانون الذي كان جيم رلدس في الإكوادور قد سنّه قبل سقوط طائرته بوقت قصير.

وقد ضاعف ذلك القانون ضريبة الامتياز على شركات النفط الأجنبية، بعد ذلك تحدّى تشافيز الاستقلال التقليدي لشركة النفط المملوكة للدولة، شركة نفط فنزويلا، بإحلال موالين له محل مديريها الكبار.

ويكشف القاتل الاقتصادي أن مقاولاً خاصاً اتصل به للقيام بتأجيج الاضطرابات ولرشوة ضباط الجيش-والكثيرون منهم تدرّبوا في مدارس الأميركيين-لكي ينقلبوا على رئيسهم المنتخب.

غواتيمالا، دم الفواكه
كانت شركة الفواكه المتحدة المعادل السياسي في تلك البلاد لقناة بنما. وقد نمت هذه الشركة، التي أسست في أواخر القرن التاسع عشر، لتغدو إحدى أكثر القوى سلطة في أميركا الوسطى. في خمسينيات القرن العشرين، انتخب المرشح الإصلاحي، جاكوبو آربنز، رئيساً لغواتيمالا في انتخابات اعتبرت في جميع أرجاء نصف الكرة نموذجاً لعملية الانتخابات. وفي ذلك الوقت، كان أقل من 3% من مواطني غواتيمالا يملكون 70% من الأراضي.

وعندما قامت الفواكه المتحدة بحملة علاقات عامة ضخمة في الولايات المتحدة كان هدفها إقناع الرأي العام والكونغرس بأن آربنز كان جزءاً من مؤامرة روسية، وأن غواتيمالا تدور في فلك الاتحاد السوفياتي.

وفي عام 1954، كانت وكالة الاستخبارات المركزية وراء انقلاب عسكري، وقد قام الطيارون الأميركيون بقصف مدينة غواتمالا، وأطيح بآربنز المنتخب ديمقراطياً، وحلّ العقيد كارلس كاتلو آرمس، المستبدّ اليمني الفظّ.

العراق، حرب شركة بكتل
يساوي المخطّطون العسكريون بين العراق حديثاً ووادي نهر هدسن خلال الحرب الفرنسية والهندية والثورة الأميركية. ففي القرن الثامن عشر، كان الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون يدركون أن من يسيطر على وادي نهر هدسن، يسيطر على القارة. واليوم، أصبح معروفاً أنّ من يسيطر على العراق، يحمل مفتاح السيطرة على الشرق الأوسط.

وفوق كلّ ذلك، يشكّل العراق سوقاً واسعة للخبرة الأميركية في الهندسة والتقانة.

هكذا ولدت فكرة غزو العراق التي ارتبطت بشركة بكتل… يقول القاتل الاقتصادي: في الموقع الإلكتروني نيويورك تايمز حول نتائج غزو العراق.

“الولايات المتحدة تمنح بكتل عقداً رئيساً لإعادة بناء العراق، فقد “منحت إدارة بوش مجموعة بكتل من سان فرانسيسكو أوّل عقد رئيسي اليوم من ضمن خطة واسعة لإعادة بناء العراق”.

وفي مكان لاحق يخبر القرّاء أنه “لإعادة تشكيل البلاد، سوف يتعامل العراقيون بعد ذلك مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما مؤسستان للولايات المتحدة نفوذ واسع فيهما”.

ولبكتل علاقات طويلة مع مؤسسة الأمن القومي… أحد مديريها هو جورج شلتز، الذي كان وزيراً للخارجية في عهد رونالد ريغن. كان شلتز، قبل انضمامه إلى إدارة ريغن، رئيس بكتل، وهو الآن كبير مستشاريها، وكان معه، قبل توليه وزارة الدفاع، كاسبار واينبرغر، أحد المديرين التنفيذيين لهذه الشركة التي تتخذ من سان فرانسسكو مقراً رئيساً لها. وفي العام نفسه عيّن الرئيس بوش المدير التنفيذي العام لشركة بكتل، رايلي ب. بكتل عضواً في مجلس الرئيس لشؤون التصدير.

ملاحظات أخرى:

– رجال سلطة الشركات

– السيطرة بالورق

– كذبة إلغاء الديوان

(1) رجال سلطة الشركات:
يتبادل مديرو الشركات والبنك الدولي ووزراء الخارجية والدفاع والمالية المواقع في الولايات المتحدة، ومن ذلك مكنمارا من مدير للتخطيط والتحليل المالي في شركة فورد للسيارات عام 1949، إلى رئيس فورد عام 1960، حيث كان أول رئيس للشركة من خارج أسرة فورد. وبعد ذلك بوقت قصير، عيّنه كندي وزيراً للدفاع ثم مديراً للبنك الدولي.

وجورج شلتز كان وزيراً للمالية ورئيساً لمجلس السياسة الاقتصادية تحت إدارة نيكسون، وخدم كرئيس لشركة بكتل، ثم أصبح وزيراً للخارجية في عهد ريغن. أما كاسبار واينبرغر، فكان نائباً للرئيس ومستشاراً لشركة بكتل، ثم أصبح وزيراً للدفاع في عهد ريغن.

وكان رتشارد هلمز مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد جونسن. ثم أصبح سفيراً في إيران في عهد نيكسون.

وخدم رتشارد تشيني وزيراً للدفاع تحت إدارة جورج بوش الأب، ورئيساً لشركة هليبيرتن، ثم نائباً للرئيس جورج بوش الابن. حتى رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش الأب، قد بدأ كمؤسس لشركة زباتا للنفط، وخدم سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عهدي نيكسون وفورد، ثم أصبح مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد فورد.

(2) السيطرة على العالم بالورق
تعتمد إمبراطوريتنا العالمية على الدولار كونه العالمية القياسية، وأن للولايات المتحدة الحقّ في طباعة هذه الدولارات. وهكذا تمنح قروضاً لدول مثل الإكوادور، وهي تعلم تماماً أنها لن تستطيع سدادها، بل الحقيقة أنها لا تريدها أن تحترم ديونها، لأنّ التخلّي عن الدوافع هو ما يمنحها السطوة “حصتنا من اللحم”.

ويضيف بيركنز تعطينا قدرتنا على طبع العملة قوة هائلة. فهي تعني، من ضمن أشياء أخرى، أننا نستطيع الاستمرار في منح قروض لا يمكن سدادها، وأننا نستطيع نحن أن نراكم ديوناً ضخمة. ففي بداية العام 1003، تجاوز دين الولايات المتحدة القومي رقماً مذهلاً بلغ 6 تريليونات دولار، وقدّر له أن يصل إلى 7 تريليونات دولار قبل نهاية العام.

وما دام العالمُ يقبل بالدولار عملةً قياسيةً له، فلن يُشكّل هذا الدينُ المفرطُ عقبةً جديةً لسلطة الشركات. بيد أنه إنْ جاءت عملةٌ أخرى لتحلَّ محل الدولار، أو إن قرّر بعض دائني الولايات المتحدة (كاليابان والصين، مثلاً) أن يستردّ ديونه، فسوف يتغيّر الوضعُ بشكل عنيف. عندها ستجد الولايات المتحدة نفسها فجأة في وضع خطير.

ماذا يعني التوجّه لإلغاء الديون
يجيب بيركنز: إنه يدل على مستوى جديد من البراعة لدى القتلة الاقتصاديين، وما يجب أن نتذكّره أنها تراكمت من دون موافقة أغلبية الشعب في كلّ من تلك الدول، وساعدت في زيادة ثروة سلطة الشركات وقلة من الأسر الغنية في العالم الثالث-لكنّ الإعفاء من الديون ليس المسألة كلّها.

ذلك أن الدول الصناعية الثماني (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وروسيا)، ومعها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي مرة أخرى تستغل هذه الشعوب وتسمّي ذلك “إعفاء من الدين”.

إنها تصرّ على “شروط” تلبسها لبوس عبارات مثل “الحكم الرشيد”، و”الاقتصاد الحكيم”، و”تحرير التجارة”، وبينما تبدو هذه اللغة مغرية، فإنها خادعة بشكل بغيض. فهذه السياسات “رشيدة” و”حكيمة” فقط إذا نظرت إليها من خلال نوافذ الشركات.

أما الدول التي توافق على هذه الشروط، فتطالب بخصخصة الصحة، والتعليم، والكهرباء، والماء، وغيرها من الخدمات، بتعبير آخر، أن تباع لسلطة الشركات.

مصدرالميادين - موفق محادين
المادة السابقةالحفر في البلوك 9 مستمر رغم حرب غزة
المقالة القادمةمذكّرة تنفيذيّة بين الطيران المدني اللبناني والعراقي: 45 رحلة أسبوعية لكلا البلدين