القانون 55 /2016: قبضة حديدية حكومية لغربلة تعييناتها

بدأت رحلة حكومة الرئيس نواف سلام عهدها بمواجهة مطبّ التعيينات في رأس الإدارات والمؤسسات العامة، قبل أن تنتقل إلى «عاصفة» التعيينات القضائية التي قد تطول لأشهر، لكن بإمكانها إزاحة أصابع الاتهام والمخاطرة بأسماء مشبوهة من خلال قانون واحد على الأقل، يسمح بغربلة الأسماء المطروحة، خصوصاً لحاكمية مصرف لبنان ومسؤولي باقي الإدارات، واستخلاص ثم تعيين مَن يتأكّد أنّه خارج شبهات التهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع، وذلك عبر الاستناد إلى تنفيذ القانون 55 /2016، تحريراً لرأس الإدارة العامة من الشبهات، على أن تكرّ السبحة على باقي المناصب.

في أواخر سنة 2019، توافقت الدولة اللبنانية مع المنتدى الدولي للشفافية (OECD) على اعتماد خطة عمل مطلوبة من الأخير بموضوع أمن وسلامة المعلومات، تمهيداً لتمكينها من الحصول تلقائياً وسنوياً على المعلومات المالية عن المقيمين على أرضها وفق اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات (MCAA)، وباتت شبه جاهزة للتطبيق، إذ لا ينقصها سوى تفاصيل تقنية صغيرة مثل تجهيز Server بحاجة إلى تمويل لم يؤمَّن.

كيف وصل القانون 55 /2016 إلى لبنان؟

إلى ذلك، يؤكّد المحامي والأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف (USJ) كريم ضاهر، أنّ القانون 55 /2016 «فُرِض علينا في طور قوانين الضرورة، خلال فترة الفراغ الرئاسي بين عهدَي الرئيسَين ميشال سليمان وميشال عون، من قِبل الـ OECD تزامناً مع حملة عالمية لمكافحة تبييض الأموال والفساد والتهرّب الضريبي وتمويل الإرهاب، على إثر قرار المجتمع الدولي في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008».

ويشرح ضاهر الظروف المحيطة حينها بمبرّرات القرار الذي فُرِض على لبنان، على أنّه كان هناك قرار عالمي نتج عمّا يُسمّى الـ Bail-Out أي «أنّ الدول أنقذت المصارف التي تعثرت نتيجة الأزمة المالية العالمية، منعاً من سقوط النظام العالمي، وذلك على حساب المكلّفين. وكان ذلك تعويضاً للأخطاء التي ارتكبها العاملون والمستثمرون في القطاع المالي العالمي، فتبيّن يومذاك للدول أنّ كثراً من الرأسماليِّين الكبار يتهرّبون من الضرائب بشتى الوسائل، عن طريق إخفاء أموالهم من سلطات بلاد إقامتهم و/أو عملهم في ملاذات ضريبية أو في بلدان تعتمد السرّية المصرفية (لبنان، سويسرا، ولوكسمبورغ)».

فبسبب السرّية المصرفية والتكتّم المالي الموجودَين في لبنان، كانت هناك حماية للمتهرّبين ضريبياً المقيمين في البلدان الأخرى. لذلك يوضح ضاهر، عضو الهيئة الإدارية وأحد المؤسسين في الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC)، أنّ «الولايات المتحدة أجبرت لبنان بالتزامن على تطبيق ما يُعرَف بالـ FATCA (قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية)، كما ضغطت باقي الدول ولاسيما المنضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في اتجاه أن يُجبَر لبنان على الالتزام والانضمام إلى المنتدى العالمي للشفافية (Global Forum) وتطبيق معاييره وأنظمته».

أهمية تطبيق هذا القانون

يشدّد ضاهر على أنّ مَن يدّعون بأنّ إلغاء السرّية المصرفية ستمنع دخول الاستثمارات إلى لبنان يُضلِّلون الرأي العام لمقاربة مشبوهة «لأنّ القانون 55 /2016 رفع السرّية المصرفية نهائياً عن غير المقيمين في لبنان (أجانب أو لبنانيِّين غير مقيمين) الذين يمتلكون حسابات مصرفية في لبنان، وذلك منذ صدوره في 27/10/2016، كما أنّ المصارف اللبنانية أُلزِمت بإرسال كل المعلومات إلى الإدارة الضريبية اللبنانية التي بدورها تُرسل المعلومات، على قاعدة سنوية، للبلدان الموقّعة مع لبنان اتفاقية التبادل التلقائي (نحو 67 دولة)».

علماً أنّ ليست جميع الدول الـ170 المنضوية في المنتدى الدولي للشفافية تتبادل سنوياً على قاعدة أوتوماتيكية. لذلك هنا تكمن ضرورة التبادل السنوي الذي يجب على لبنان الالتزام به من أجل ملاحقة المتهرّبين ضريبياً وتحفيز الالتزام والعدالة الضريبية وزيادة الإيرادات.

آلية طلب المعلومات من قِبل لبنان

بموجب القانون 55 /2016 وقّع لبنان على معاهدتَين:

1- الاتفاقية المتعدّدة الأطراف للتعاون في المجال الضريبي (MAC)، التي تسمح بالتبادل غِبّ الطلب، بالتالي يُتاح لكل دولة عضو حينما تشاء، وبموجب شكوك جدّية في الإمتثال والإلتزام الضريبي، طلب (بواسطة وزارة المال) وحصول من الدول الأعضاء التي يكون للمقيم في الدولة الأولى المتقدِّمة مصالح وحسابات مالية في المصارف والمؤسسات المالية العاملة في الدول الأخرى المستعلم لديها.

2- الإتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة (MCAA) أو التبادل التلقائي التي تسمح كل عام أن تُرسَل المعلومات إلى الدول الشريكة تلقائياً بهدف تبادل المعلومات على قاعدة سنوية.

وتتعلّق هذه المعلومات بحسابات غير المقيمين في كل المؤسسات المالية والمصارف وشركات الضمان التي تستثمر أصولاً مالية في البلد المختص، التي تكون مجبَرة على تحويل تلك المعلومات الموجودة لديها عن المتعامِلين معها والمودعين لديها والمقيمين ضريبياً في دول أخرى عضو في المنتدى، إلى السطات المالية في تلك الدولة حيث تتواجد، وذلك قبل 30 حزيران من كل عام عن السنة التي انقضت؛ وتدرسها وزارة المال ثم ترسلها إلى السلطات الضريبية للشريك المتعاوَن معه قبل 30 أيلول من كل عام.

وبحسب موقع وزارة المال وموقع ALDIC، بات لبنان موقّعاً مع أكثر من 60 دولة اتفاقية التبادل التلقائي السنوية، أي انّ المعلومات الضريبية تُرسَل سنوياً من لبنان إلى تلك الدول، إنما من دون أن تصل سنوياً إلى لبنان راهناً، وهذه الدول بحسب ضاهر «يمتلك المقيمون لدينا حسابات مصرفية فيها، وحتى ما يُعرَف بالجنّات أو الملاذات الضريبية».

لكن ما يعوق هذه الآلية أنّ لبنان يُرسِل سنوياً ما يتوجّب عليه، إلّا أنّه لا يتلقّى المعلومات في المقابل. إذ يكشف ضاهر أنّ «تلقّي المعلومات تلقائياً من هذه الدول يجب أن نصل إلى المرحلة الثالثة من Peer Reviews».

وتضمّ آلية الرصد والتقويم المراحل الثلاث التالية:

1- التأكّد من وجود القوانين والآليات اللازمة للشفافية والتبادل الفعّال.

2- التأكّد من أنّ التطبيق العملي لتلك الأنظمة متوفّر (لتنفيذ طلبات المعلومات للدول الأخرى)؛

3- تأمين موجبي السرّية وحماية المعلومات المتبادلة (لحماية أصحاب رأس المال من تسريب المعلومات إلى جهات غير مخوّلة الاضطلاع عليها، بالتالي تعريضها مع ذويها إلى الخطر أو الابتزاز)، مع تكريس المطابقة وتطبيق المعايير الموحّدة للبيانات المالية (CRS). وعندها يُقدَّم طلب إلى الأمانة العامة لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD) مرفقاً بقائمة بأسماء الدول التي يوافق البلد على أن يُجري التبادل التلقائي معها.

وفي حال عدم الإلتزام بمعايير المنتدى الدولي للشفافية، يُعرّض ذلك الدول الممانعة إلى الإدراج على القائمة السوداء للدول غير المتعاونة، بالتالي إلى تطبيق عقوبات صارمة (اقتطاعات ضريبية على التحويلات، تخفيض التصنيف الائتماني للبلد وحظر الاستثمارات، وتقويض للتحويلات ومنعه).

ويُضيف ضاهر أنّ المسؤولين المتورّطين في لبنان ومَن يدور في فلكهم من منظومة فاسدة ومُرتكِبة «أفاد من عدم الانتقال إلى المرحلة الثالثة، لكن لم يقل للمنتدى العالمي إنّه لا يُريد تلقّي المعلومات. إنّما تصرّف بهذا الاتجاه لتفادي تلقّي المعلومات عن الحسابات المصرفية والأموال المنقولة الموجودة في الخارج، لأنّ ذلك يفضح تلك الطبقة السياسية/المالية ويكشف حساباتها وحسابات أزلامها المملوكة بالمباشر أو بالواسطة والتخفّي، ممّا يحول في المقابل بحرمان الدولة من زيادة إيراداتها الضريبية وتخفيض العجز في الموازنة، بالتالي تخفيض الضرائب غير المباشرة على الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل. بالإضافة إلى أنّ ذلك سيضع لبنان في موقف محرج، لأنّه يطلب دائماً منحاً ومساعدات دولية، لكنّه لا يُحفِّز الالتزام بالجباية الضريبية».

كيف يُسهِم تنفيذ هذا القانون بالعدالة المالية؟

في هذا السياق، يشرح ضاهر أنّ «تنفيذ هذا القانون بمراحله كافة سيعطي للدولة اللبنانية المعلومات عن كل مَن لم يُصرِّح عن إيراداته وحساباته وتهرّب من دفع ضريبته، ممّا يسمح لها بإلزامه دفعها مع الغرامات المترتبة على المخالفة، ممّا يرفد الخزينة بإيرادات إضافية تساعد وتساهم ربما في الحلول لدفع أموال المودعين مثلاً».

إلى ذلك، يؤكّد الرئيس السابق للجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين «إنّ الدولة ستتمكّن مقدّماً من خلال التبادل التلقائي من تحديد فئات المتقاعسين والمتهرّبين، بالتالي من تتبُّع مَن يُتهم أو يُشَك به بالفساد أو الاختلاس أو عمليات مخالفة أخرى، وفق آلية التبادل غبّ الطلب في المرحلة الثانية، لتحصل على معلومات السنوات التي لم تسقط بعد مرور الزمن»، ممّا يسمح عند تطابق المعلومات مع التُهم، بالتوسع بالتحقيق وفق «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) لتقصّي التحاويل وكشف المستور بين الفاسد وشركائه، وصولاً إلى حجز ومصادرة واسترداد تلك الأموال غير المشروعة للتعويض على مَن تأثر من أعمال الفساد».

ويؤكّد ضاهر أيضاً، أنّ الانطلاق يجب أن يكون «بطريقة Al Capone، عند التعيينات القضائية وفي الإدارات والمؤسسات الرسمية، من خلال القانونَين 175 و189 الصادرَين عام 2020 لمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع، وعبر الطلب من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فتح كل ظروف تصاريح الذمة المالية للقضاة والموظفين العامين الملحوظين في القانونَين المذكورَين (حساباتهم وأملاكهم كما لأولادهم القاصرين وأزواجهم سواء في لبنان أو في الخارج)، فتتمّ المقارنة بين هذه الظروف والمعلومات المتوفّرة محلياً، كما وتلك الواردة من الدول الأعضاء في المنتدى العالمي للشفافية بحسب القانون 55 /2016 (للأشخاص أنفسهم). إذ إنّ السرّية المصرفية تُرفع عنهم تلقائياً بموجب القانون 306. بالتالي يُستبعَد تلقائياً من المرشحين مَن تثبُت عليه تُهَم الإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي وسواها من تعدّيات على المال العام».

نتيجة ذلك، يتأكّد أنّ القانون 55 /2016 النافذ، لكن المنفّذ جزئياً (تُرسَل تقارير المقيمين الأجانب أصحاب الحسابات في لبنان) بقرار سياسي منع وزارة المال على مدى أكثر من 7 سنوات من الاحتكام إليه لتوفير مخرج واقعي مهمّ وثمين لتحقيق المحاسبة على الجرائم المالية والضريبية ومحاربة الاقتصاد الأسود، علاوةً على تحقيق عدالة ضريبية.

مصدرالجمهورية - شربل البيسري
المادة السابقةسوريا ستَنعَم بالكهرباء 24 ساعة… ماذا عن لبنان؟!
المقالة القادمة240 ألف وظيفة في القطاع الصناعي