“القبة الذهبية”.. “تنفيعة” ترامب لمقاولي الدفاع وشركات التكنولوجيا

مُحيِّرٌ أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ففي الوقت الذي يَشُنُّ الأخير حرباً شعواء على المؤسسات المدنية، والوزارات الحيوية، والوكالات الفيدرالية، بدعوى خفض نفقاتها وتقليص ميزانياتها، يفتح في المقابل أبواب خزائن أميركا ودون تردد، أمام المشاريع العسكرية الباهظة التكاليف، مستشهدًا بالتهديدات من قِبَل دول مثل روسيا، الصين، وكوريا الشمالية.

أما المثير، فهو العلاقة النَّفعيّة بين ترامب، وشركات الدفاع الأميركية التي يُعد المسّ بها خطًّا أحمر لم يتجاوزه كل من سكن البيت الأبيض، بمن فيهم ترامب نفسه.

وتِبعًا لذلك، أعلن الرئيس الأميركي الثلاثاء الفائت، أن الحكومة ستمضي قدماً في بناء نظام دفاع صاروخي يُدعى “القبة الذهبية” تبلغ تكلفته المالية مليارات الدولارات، وهو سيستخدم مجموعة من الأقمار الصناعية والأسلحة الفضائية لاعتراض الهجمات الباليستية على الولايات المتحدة.

ما هو مشروع القبة الذهبية؟
في الحقيقة، استلهم ترامب خطته هذه لحماية الولايات المتحدة من الصواريخ بعيدة المدى، من أنظمة الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية متعددة المستويات. فترامب، الذي أنشأ قوّة الفضاء الأميركية خلال ولايته الأولى، لطالما تحدّث عن رغبته في إنشاء “قبة ذهبية” على غرار “القبة الحديدية” الإسرائيلية، ولكن بأسلحة متمركزة في الفضاء، وليس فقط على اليابسة.

اللافت أنه، حتى الآن لم يُقدِّم البيت الأبيض ومسؤولو الدفاع سوى تفاصيل محدودة حول الشكل الفعلي للقبة الذهبية – التي لا تزال في مراحلها النظرية.

ففي حديثه إلى جانب ترامب في المكتب البيضاوي في 20 مايو/أيار الحالي، اكتفى وزير الدفاع بيت هيجسيث، بالقول إن “النظام سيتكوَّن من طبقات متعددة عبر البر والبحر والفضاء، بما في ذلك أجهزة استشعار فضائية وصواريخ اعتراضية”.

أما ترامب، فقد كشف أن النظام سيكون قادراً على اعتراض الصواريخ “حتى لو أُطلقت من جهات أُخرى من العالم، بما في ذلك الفضاء”، مع وجود جوانب مختلفة من البرنامج في أماكن بعيدة مثل فلوريدا، وإنديانا، وألاسكا.
أكثر من ذلك، وفي شهادة سابقة أمام الكونغرس، قال المشرف الجديد على البرنامج، الجنرال مايكل جيتلين، إن “القبة الذهبية” ستُبنى على أنظمة قائمة تستهدف بشكل كبير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التقليدية. وعليه، من شأن النظام الجديد أن يُضيف طبقات متعددة يمكنها أيضاً اكتشاف الصواريخ المجنَّحة، والتهديدات الأُخرى والدفاع ضدها، فضلاً عن اعتراضها قبل إطلاقها أو في المراحل المختلفة من رحلتها.

العقبات المالية لنظام القبة الذهبية
عملياً، سيكون إنشاء هذا النظام اقتراحاً مُعقداً ومُكلفاً للغاية. ففي المكتب البيضاوي، أشار ترامب إلى إمكانية إكمال مشروع القبة الذهبية بنهاية ولايته، بتكلفة إجمالية قدرها 175 مليار دولار (وفقاً للواشنطن بوست)، على مدى فترة زمنية محددة، بما في ذلك استثمار أولي قدره 25 مليار دولار مُخصَّص له بالفعل.

لكن مهلاً، فرؤية ترامب هذه، تتناقض تماماً مع تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، الذي حدَّد التكلفة المحتملة عند 542 مليار دولار على مدى 20 عاماً للأنظمة الفضائية وحدها (الأرقام تعود للصحيفة ذاتها). ولهذه الغاية، أكد الخبراء العسكريون الأميركيون أن التكلفة الإجمالية قد تستنزف في النهاية جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع الأميركية الضخمة.

ما يجدر معرفته هنا، أن ترامب خصَّص بالفعل مبلغ 25 مليار دولار من الميزانية الفيدرالية، لبناء “القبة الذهبية” ضمن مشروع قانون الميزانية الضخم الذي يعتزم الجمهوريون في الكونغرس تمريره خلال الأسابيع المقبلة.

“تنفيعة” لشركات الدفاع
كان مشروع القبة الذهبية بمثابة النعمة لشركات الأسلحة الأميركية. إذ يحظى بحلفاء أقوياء في مجتمع المقاولات الدفاعية وفي مجال تكنولوجيا الدفاع المتنامي، فكثير منهم يستعدون لخطوة ترامب الكبيرة نحو الأسلحة الفضائية، ومن أبرزها: شركة “إل 3 هاريس” التي بدأت مبكراً في بناء شبكة الاستشعار الأساسية للنظام، إضافة إلى مقاولين محتملين للمشروع الضخم مثل شركات: “لوكهيد مارتن” و”آر تي إكس” (RTX Corp).

كما برزت شركة “سبيس إكس” – التي يملكها إيلون ماسك حليف ترامب – كمرشَّحة رائدة لتنفيذ المشروع، إلى جانب شركة البرمجيات “بالانتير”، وأيضاً شركة “أندوريل” لصناعة الطائرات بدون طيار، لبناء المكونات الرئيسية للنظام، استناداً لوكالة “رويترز”.

القبة الذهبية وتشجيع سباق التسلُّح
يأتي مفهوم القبة الذهبية في وقت يزداد فيه قلق البنتاغون من الصواريخ بعيدة المدى التي يبنيها خصوم الولايات المتحدة. ففي الأسبوع الماضي، أصدرت وكالة الاستخبارات الدفاعية تقييماً أفاد بأن الصين تمتلك حوالي 400 صاروخ بالستي عابر للقارات، فيما تمتلك روسيا 350، أما كوريا الشمالية فلديها عدد قليل. ومن المتوقَّع أن ترتفع هذه الأعداد في السنوات المقبلة، مع متابعة إيران أيضاً تطوير هذه الأسلحة، على ذمة التقييم.

زد على ذلك، أثار إنشاء القبة الذهبية أيضاً، مخاوف من أنه قد يُؤدي إلى “سباق تسلُّح” جديد، حيث يسعى أعداء الولايات المتحدة جهودهم الخاصة لإيجاد طرق لتجاوز دفاعاتها أو التحايُل عليها. وتتصدر قائمة التهديدات، الأسلحة الفرط صوتية الصينية التي تتحرَّك أسرع من الصوت، إضافة إلى أنظمة القصف المداري الجزئي الروسية – المعروفة اختصاراً بـ “FOBS” –، القادرة على إطلاق رؤوس حربية من الفضاء. وكلٌّ من هذه الأسلحة – حتى وإن كانت بأعداد محدودة – يُعَدُّ فتاكاً.

وكانت الولايات المتحدة، تحدثت العام الماضي، عن أن روسيا تطوِّر سلاحاً نووياً قائماً في الفضاء يمكنه البقاء لفترات طويلة في المدار، ثم يُطلق دفعة تُدمِّر الأقمار الصناعية المحيطة به.

وتعليقاً على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إن الخطة “تزيد من خطر تحوُّل الفضاء إلى ساحة معركة”.

انطلاقا مما تقدم، سيحول مشروع “القبة الذهبية” الأميركي، “الفضاء الخارجي إلى بيئة لوضع الأسلحة وساحة للمواجهة المسلحة بين الدول العظمى”.

مصدرالمدن - علي دربج
المادة السابقة“لجنة المال” تقرّ قرض البنك الدولي للكهرباء 250 مليون دولار وتخفّض رسوم الموازنة
المقالة القادمةخدمات خليوية للسيّاح العرب: متى يحين دور اللبنانيين؟