في انتظار البتّ بمصير انتخابات جمعية المصارف حيث “عامل الوقت” هو سيّد الموقف لما يحمله من مشاورات ومفاوضات تُفضي في نهاية المطاف إلى حلّ يعالج الإشكالية الراهنة… تبقى الساحة المصرفية في منأى عن أي خطط طوارئ تغزو أروقة السراي والوزارات تحسّباً لأي حرب إسرائيلية شاملة محتمَلة. فالمصارف منذ 17 تشرين الأول 2019 إلى اليوم تعيش في حالة طوارئ نقدية ومالية، ترقّع “باللحم الحيّ” ما أفسدته التداعيات الكارثية لإعلان حكومة الرئيس حسان دياب تعثّر لبنان عن سداد ديونه المستحقة عن سندات الـ”يوروبوندز”، على الودائع المصرفية وموجودات المصارف ونشاطها الاستثماري…إلخ، حيث هَوَت بما فيها على رؤوس أصحابها والمساهمين فيها ومودِعيها مهما اختلف تصنيفهم!
ومنذ السنوات الخمس الفائتة حتى اليوم، لم تفلح الحكومة في معالجة الأزمة المصرفية لا من قريب ولا من بعيد، سوى تسطير الاجتماعات وإطلاق التصاريح والوعود… أما النتيجة فيصحّ بها القول “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً”!
وهنا، برزت الملفات المودَعة في أدراج مجلس النواب كما مجلس الوزراء، يتقدّمها خطة الإنقاذ الاقتصادي والمالي، قانون الـ”كابيتال كونترول”، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وغيرها من القوانين والمشاريع التي لم تُبصر النور حتى الآن، بل استمرّت الأزمة المصرفية على اضطرادها معطوفة على الانهيار النقدي مع فقدان الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها…
هذه الوقائع أضعفت القطاع المصرفي حتى الوَهِن، حيث بات عاجزاً عن القيام بأي نشاط يحفّز المستثمرين الذين ما أن يجدوا في الفراغ الرئاسي والشلل التشريعي والحكومي بؤراً من المخالفات والتخبّط المحفوف بالمخاطر، حتى يعدلوا عن أي استثمار على الساحة الاقتصادية اللبنانية.
هذه الصورة القاتمة، دفعت باتجاه “اقتصاد الكاش” الذي خرج إلى الضوء ليخلق اقتصاداً موازياً حمل في ميزانه مخاوف من التهرّب الضريبي والتهريب وتبييض الأموال وغيرها، ما يؤدي شيئاً فشيئاً إلى القضاء على الاقتصاد الشرعي حيث لا امتثال للقوانين المالية العالمية، ولا التزاماً بتسديد الضرائب والرسوم، فتنعدم العائدات وتغرق خزينة الدولة في فراغها، في ظل غياب الإصلاحات التي لم يعدم المجتمع الدولي سبيلاً إلا وطالب بها، من دون أن يلقى صدىً لدى السلطات المعنية في لبنان.
الواقع القائم، حثّ بعض المصارف العاملة في لبنان على الإقراض مجدداً استناداً إلى القول المأثور “من الموجود جود” أقله لتأمين الأموال الدولاريّة المطلوبة لتغطية متطلبات تعاميم مصرف لبنان الخاصة بالمودِعين، والتي تستنزف أموال المصارف “الشحيحة”، حتى إشعارٍ آخر.
وللغاية، عاودت مصارف تتمتع بنسبة سيولة أكثر من زميلاتها في القطاع، إعطاء قروض ولو محدّدة، للسوق المحلية… وفي الآونة الأخيرة أُفيد عن حصول بعض رجال الأعمال اللبنانيين على قروض من مصارف لبنانية تملك فروعاً في الخارج، بفوائد مرتفعة.
مصدر مالي يعلّق على هذا الموضوع باعتباره خطوة طبيعية في مسار الصمود والاستمرارية في تأمين الأموال لزوم تطبيق تعاميم البنك المركزي. لكنه، أي المصدر، يُشير عبر “المركزية” إلى أن “منطق الأمور يحتّم تقديم “أولوية” سداد الودائع، على أولوية “واقعيّة” العودة إلى إعطاء القروض…”.
ويوضح في السياق، أن “القروض التي تقدّمها الفروع المصرفية اللبنانية في الخارج، تخضع لشروط الدولة المتواجدة فيها، وهذه الشروط تمنع إعطاء قروض إلى جهة خارج حدود هذه الدولة، وبالتالي لا تُجيز إعطاء قروض إلى لبنانيين مقيمين في لبنان. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا تُجيز الدولة الفرنسية لأي فرع مصرفي موجود على أراضيها بإعطاء قرض لأي فرد أو شركة موجودة خارج فرنسا أو الاتحاد الأوروبي”.
ويُضيف: كما أن الشروط المذكورة تفرض التأكد من هويّة طالب القرض، والهدف من استخدامه، ووجهة تسييله، وغيرها من المعلومات المطلوبة التي تتشدّد الدولة الأجنبية في تأمينها بشفافية.
ويختم المصدر أن “سيولة المصارف مودَعة في مصرف لبنان الذي يرفض إعطاءها إياها، حتى أصبح حسابها الجاري في البنك المركزي يعاني من تخمة في السيولة من دون أن تستطيع تحصيل شيء منها… أين المنطق في هذه الواقعة؟!”.
… لكن التبرير يجوز في حالة مثل حالة لبنان اليوم… فالمصارف اللبنانية تبحث عن طاقة أو فجوة ولو صغيرة للنفاد بأي حل تراه يساعد في تمرير الوقت ضماناً للصمود وترقيع الفجوات تأميناً لاستمرارية تقطير أموال المودِعين، على غرار الترقيع السياسي… في انتظار الخطط الحكومية الإنقاذية الموعودة! علّها تُصيب لا أن تخفق كعادتها.