القضاء تحت الصدمات واليوم ملفّات التوظيفات

 

اذا كان رئيس الوزراء سعد الحريري نفسه لم يجد حرجاً في التشكيك علناً في حكم قضائي صادر عن المحكمة العسكرية في ملف أثار الكثير من الجدل منذ نشوئه، فماذا ترك للناس والمتقاضين والوسط القضائي والقانوني عموماً حيال الواقع القضائي اللبناني كلاً؟

طرح هذا السؤال بدا بديهياً أمس في ظل اختراق تطور قضائي تمثل في صدور الحكم في ملف المقدم في قوى الامن الداخلي سوزان الحاج مبرئاً ساحتها من خلال ابطال التعقبات في حقها لعدم توافر عناصر جرم التدخل بالافتراء الجنائي في فبركة ملف اتهامي للممثل المسرحي زياد عيتاني بالتخابر مع العدو الاسرائيلي، وإدانتها بجنحة مخالفة التعليمات العسكرية وتغريمها 200 ألف ليرة، فيما دان الحكم المقرصن الالكتروني ايلي غبش وقضى بحبسه سنة. وبدا ان الواقعة القضائية الأكثر إثارة للتداعيات تمثلت في سابقة إقدام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس على تقديم مطالعته أمام المحكمة العسكرية حيث فجر مفاجأة كبيرة وطلب كف التعقبات عن الحاج. وأوضح “أن غبش اختلق فكرة الجريمة وعرضها على أمن الدولة، ولاحقاً على سوزان الحاج، وهذا لا يعني توفر عناصر جرم تدخل سوزان في الجريمة، لأنها لم تعط غبش المال ولم تطلع على تحضير ملف التعامل للممثل عيتاني، وبأسوأ الأحوال يمكن القول إنها كانت متفرجة”. وأضاف أن “عناصر الجرم غير متوفرة، وبالتالي لا دليل على دور لها في الجرم”، وخلص الى الطلب من المحكمة انزال أشد العقوبات في حق غبش وكف التعقبات عن سوزان الحاج. وهذا ما تضمنه فعلاً الحكم الذي أصدرته المحكمة لاحقاً بأكثرية أعضائها. والثابت ان هذا الحكم ما كان ليثير أصداء ساخنة لولا الخلفية التي يتردد انها ترتبط بصراع بين جرمانوس والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. وتتوقع أوساط سياسية وقانونية ان يثير هذا التطور مزيداً من التفاعلات حول الواقع القضائي باعتبار انه جاء وسط الانسداد الحاصل في شأن الاضراب القضائي الواسع الذي يترك تداعيات سلبية واسعة اساسا.

واسترعى ان أوساط الرئيس الحريري سارعت الى التعليق على إصدار المحكمة العسكرية حكمها في قضية المقدم سوزان الحاج بالقول: “كان الأفضل لو أن القضاة في المحكمة العسكرية استمروا في إعتكافهم، ولَم يصدروا هذا الحكم”.

وغرد الأمين العام لتيار “المستقبل” احمد الحريري عبر “تويتر”: “الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية في قضية الفنان زياد عيتاني، حكم مسيس بادارة قضائية انتقامية وكيدية. حكم أعرج بتوقيع قاضٍ. يصفي حساباته الشخصية من حساب العدالة”.

ودعا عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن إلى “قضاء نزيه وفعال ومتحرر”، معتبراً أن “هذا يتطلب رفع الهيمنة السياسية وتعزيز وضع القضاة والحفاظ على مكتسباتهم وحقوقهم وإعطاء كل الدعم لهم بعيدًا عن الحسابات المالية الرقمية. هكذا تفعّل الدول المتحضرة “.

ملفات التوظيف

في غضون ذلك، وصل مشروع الموازنة والفذلكة الى مجلس النواب الأمر الذي دفع رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان الى توجيه الدعوة الى جلسة في العاشرة والنصف قبل ظهر الاثنين المقبل لمناقشة الفذلكة وقانون تمديد القاعدة الاثني عشرية.

أما التطور البارز الآخر، فيتمثل في ان النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة ستبدأ خلال الساعات المقبلة باصدارعدد من القرارات المتعلقة بملفات التوظيف المخالفة التي جرت في الادارات والمؤسسات العامة بعد صدور القانون رقم 46 تاريخ 21 آب 2017. وعلمت “النهار” ان المدعي العام لدى ديوان المحاسبة فوزي خميس سيصدر اليوم باكورة قراراته في ملف التوظيف الحاصل بعد إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب. وعلم ان الدفعة الأولى ستصدر في نحو 20 قراراً، كما علم ان بعضها تقرر حفظه والبعض الآخر سيدعي عليهم القاضي خميس ويحيلهم على غرفة ديوان المحاسبة لاتخاذ الاجراء المناسب.

فيتش والموازنة

أما في الاصداء المتواصلة حول اقرار مجلس الوزراء مشروع الموازنة، فنقلت أمس “رويترز” عن محلل في وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية أن خطة لبنان لإعادة العجز في موازنته إلى رقم في خانة الآحاد هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن الحكومة تحتاج الى استعادة الوصول إلى أسواق الاقتراض لإبقاء مخاوف التخلف عن السداد تحت السيطرة.

وصرح توبي إيلس مدير الفريق السيادي في “فيتش: لـ”رويترز” بأن تنفيذ الموازنة “الطموحة إلى حد كبير” عامل حاسم. وأضاف: “قد يكون هناك بعض التأثير الإيجابي على المعنويات. لكنني أعتقد أنه بالنظر إلى سجل الأداء (عدم تنفيذ خفوضات في الإنفاق)، فإنّ الناس سيتطلعون إلى أن يروا بعض النتائج لكي يكون هذا التأثير مستمر على الثقة”.

وتتوقع “فيتش” أن يبلغ العجز في موازنة لبنان لسنة 2019 نحو 9%، وهو رقم أعلى من توقعات الحكومة.

وجاء تعديل “فيتش” للنظرة المستقبلية إلى لبنان العام الماضي إلى سلبية عقب تضخم في رواتب القطاع العام وزيادة في مدفوعات فوائد الديون ودعم الكهرباء وأشكال أخرى للانفاق.

وقال إيلس إن “B-” هو بالفعل تصنيف “منخفض جداً” وهو ما يعني انه لا حاجة الى التعجيل في تغيير آخر، لكن المخاوف الأوسع هى في الأساس في شأن الثقة الهشة. وأضاف: “الأشياء الأساسية التي نراقبها الآن بينما نجري تقويماً للتوقعات هي، بالإضافة إلى الأوضاع المالية، هل يمكن النظام المالي اللبناني أن يجتذب تدفقات أجنبية كافية وهل يمكن البنك المركزي الحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي؟”.

ومواعيد الاستحقاق الرئيسية المقبلة لسداد ديون لبنان هي 1.5 مليار دولار في تشرين الثاني، ثم 1.2 مليار دولار في آذار 2020. وبلغ مجمل احتياطات النقد الأجنبي 31.1 مليار دولار في آذار الماضي وهو ما يعني أن من المنتظر من تغطية تلك المدفوعات بسهولة، لكن إيلس قال إن بيروت تحتاج إلى استعادة الوصول إلى أسواق الاقتراض.

وأفاد أن “الأمر يتعلق بما إذا كان لدى لبنان تمويل كاف لإظهار النجاح، ذلك هو الشيء الذي ننظر إليه عند هذا المستوى (تصنيف”B-“). “إنها مسألة ثقة، وهي المجهول الكبير. احتياطات بقيمة 31 مليار دولار مبلغ مناسب، لكن إذا فقد المودعون الثقة، عندئذ يمكن تلك الاحتياطات أن تنفد سريعاً جداً”.

عون في الاميركية

وسط هذه الأجواء، خص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجامعة الاميركية في بيروت بمشاركته ورعايته لاحتفال وضع حجر الأساس للمركز الطبي الجديد، وقال في كلمة له “أن لبنان كان ولا يزال المستشفى، والجامعة، والكتاب، والصحيفة، والسياحة، والطبيعة، والانفتاح، وهذا هو اللبنان الذي علينا تثبيته وتعزيزه، لإبراز رسالته الانسانية، ولمواكبة الحداثة، ثقافة وعلماً”.

وتقديراً للدور الذي اضطلع به رئيس الجامعة فضلو خوري في تفعيلها وتطوير امكاناتها، منحه رئيس الجمهورية وسام الارز الوطني من رتبة ضابط.

 

مصدرجريدة النهار
المادة السابقةجديد ملف التوظيفات… الادعاء على 3 وزراء من الحكومة السابقة
المقالة القادمة“بالقوة”… سوزان الحاج بريئة!