القطاع الاستشفائي: المرحلة الأخيرة قبل الانهيار الشامل

عملياً، دخل القطاع الصحي الاستشفائي المرحلة الثانية من الانهيار. الانهيار الملموس. لا أدوية. لا مستلزمات طبية. لا محروقات. لا مخزون لكل من هذه المتطلبات يكفي لمواجهة أي أزمة حادّة على شاكلة انفجارٍ ما أو عودة أزمة «كورونا». يضاف إلى تلك اللائحة التي تُبعد القطاع الاستشفائي عن مواصفات ما كان عليه يوماً كـ«مستشفى الشرق الأوسط»، الهجرة المستمرة للأطباء والممرضات والممرضين ما أدى إلى إلغاء عدد من الخدمات الطبية وصولاً إلى إقفال أقسامٍ علاجية بحالها في بعض المستشفيات.

كل تلك الأسباب أوصلت إلى الخلاصة التالية: 40% من الأسرّة في المستشفيات باتت شاغرة، بعدما خفّ الطلب على الاستشفاء أخيراً. وقد دفع هذا الشغور بعددٍ من المستشفيات إلى إقفال بعض الأقسام التي باتت فارغة كلياً تخفيفاً للتكاليف. تتمة هذه الخلاصة، هو أن الخدمة الاستشفائية تستحيل شيئاً فشيئاً لتصبح للأغنياء فقط. إذ لم يعُد في متناول «الطبقات» الأخرى تحصيل الحق في الطبابة، بعدما أصبحت فروقات الفاتورة الاستشفائية بالملايين. وهو ما يعيد التذكير بتصريح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، قبل أشهر عندما قال إن المستشفيات لاحقاً لن يدخلها سوى الأغنياء.

لم تعُد عبارة الموت على أبواب المستشفيات مجرّد «كليشيه»، بل واقعاً مع تضافر مجموعة من الأسباب التي حرمت المرضى من حقهم بالتطبيب. من أبرز تلك العوامل الأزمة التي بدأت مع الآلية التي فرضها مصرف لبنان لاستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية، وأوصلت إلى احتكار المستوردين والتجار للأدوية والمستلزمات الطبية ومنعها عن المواطنين، أو في أحسن الأحوال بيعها بسعر صرف السوق. دفع ذلك ببعض المستشفيات للعودة إلى استعمال مستلزمات طبية قديمة لم يكن في الحسبان العودة إليها. يشير هارون إلى «استخدام معدّات من 15 سنة مش مستعملينا وكنا حاطينها على جنب»، فيما تطلب مستشفيات أخرى من المرضى «أن يشتروا هم المستلزمات التي يحتاج إليها الطبيب في عمله»، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي.
المستشفيات التي لا تزال تشتري المستلزمات لتقديم خدماتها، وهي الغالبية، تحمّل الفاتورة الاستشفائية تلك الزيادات، وهو ما انعكس تضخماً في قيمة الفواتير. وعدا عن تحكّم التجار بأسعار المستلزمات أكانت مدعومة أم غير مدعومة، يضيف هارون سبباً آخر يتعلق بالفارق الشاسع بين تعرفة الجهات الضامنة للخدمات الطبية وتعرفتها في المستشفيات، إذ بقيت الأولى على أساس سعر صرف الـ1500 ليرة للدولار الواحد، فيما لامست الأخرى «في كثير من الحالات سعر الصرف في السوق الموازية». وباتت تسعّر الفاتورة بحسب اختلاف أسعار الخدمات المقدمة، وهذا ما يفسّر الفارق بين فاتورة وأخرى.

لا تتوقف الأزمات عند المستلزمات، فأزمة الدواء هي القضية المركزية اليوم. إذ تعاني المستشفيات، كما المواطنين، من النقص في الأدوية، ولا سيما أدوية الأمراض المستعصية. ولئن كان في الإمكان «التسكيج» في بعض الحالات باللجوء إلى استخدام أدوية بديلة، إلا أن هذه «لا تغطي أكثر من 70 إلى 80% من فعالية الأدوية الأساسية»، بحسب هارون.

مصدرجريدة الأخبار - راجانا حمية
المادة السابقةالمكتب الإعلامي لوزير الطاقة: توافق على معاودة تحسين الخدمات للمواطنين
المقالة القادمةالمدارس فُتحت ومناقصة الكتاب الرسميّ لم تنطلق بعد!