القطاع الخاص “الشرعي” ينتظر إنصافه بتعديل “ضريبة الدخل”

فيما تعيش البلاد استقرارا نسبيا وانتعاشا مقبولا في النمو المتصاعد، وفائضا في ميزان المدفوعات يقارب المليار دولار، لا تزال مؤسسات الدولة عاجزة عن إنتاج الآليات والتشريعات اللازمة لرفد الإيجابية الاقتصادية التي تتحقق ببطء، بمقومات تساعد في تمتين حبل الإنقاذ الذي يعول عليه لانتشال لبنان من القعر.

والواقع أن انسحاب نواب من اجتماع لجنة المال والموازنة بذريعة ذات خلفيات سياسية مطعمة بالميثاقية، معطوفا على “نسيان” إدارة جلسات إقرار موازنة 2024 في المجلس النيابي، أو تناسيها مناقشة بند ضريبة الدخل والإجازة للمكلفين إعادة تقييم استثنائية لمخزونهم وأصولهم الثابتة، هذا الانسحاب يؤكد أن إعادة بناء الاقتصاد على أسس علمية سليمة تحفظ للقطاع الخاص دوره في الدورة الاقتصادية وفي رفد الخزينة بعائدات أساسية، لا تزال رهينة المناكفات السياسية من جهة، وثقافة اللامبالاة التي تحكم عمل مؤسسات الدولة من جهة أخرى.

خلافا لمنطق العلم والقانون والعدالة الضريبية، يستمر تقييم أصول الشركات والمؤسسات التجارية التي صمدت في البلاد بما تبقى لها، وفق قواعد محاسبية وضريبية لا تخدم عملية إنهاض القطاع الخاص، وتقوده مع العاملين فيه إلى حيث لا ينبغي. يأتي ذلك في ظل جمود قاتل يظلّل الوضعين السياسي والاقتصادي، ناهيك بتوعّدات مسمومة تتطاير عبر الحدود الجنوبية يوميا، وتهدد بإطاحة كل المكتسبات التي تحققت نموا ونقدًا.

وهذا ما نبّه اليه رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الذي كان قد حذر إثر الجلسة الاخيرة للجنة من أن “أي تعطيل لقوانين أساسية وضرورية يؤدي إلى تعطيل البلاد ومصالح الناس، ويضر بالاقتصاد الوطني وإيرادات الدولة والشركات التي تعاني جراء غياب الآلية التنظيمية لإعادة التخمين والتقييم للأصول الثابتة بحسب الوضع القائم على تقلبات الأسعار وسعر الصرف الذي يحتاج إلى هذه الإجراءات في شكل استثنائي وضروري”.

وفي التفاصيل، فإنه عند مناقشة الهيئة العامة لمجلس النواب موازنة 2024 تم تعليق البند المتعلق بضريبة الدخل، والإجازة للمكلفين ضريبة الدخل إعادة تقييم استثنائية لمخزونهم وأصولهم الثابتة حتى نهاية الجلسة، ولكن لم تتم العودة إلى هذا البند “سهوا”. فقد أعادت حكومة تصريف الاعمال إدراجه في مشروع قانون وأرسلته الى مجلس النواب، مع إضافة بعض التعديلات. توازيا، قدم النائب نعمة افرام اقتراحا في الموضوع عينه، وأورد في بعض الأسباب الموجبة، أنه من غير المنطقي تكليف الفروقات الإيجابية بالعملة اللبنانية الناتجة من انهيار العـملة اللبنانية بالضريبة على أرباح إعادة التقييم، وجاء الاقتراح “من أجل الحيلولة دون تحميل المكلفين أي خسائر ناتجة من تقلبات أسعار السلع والمواد الاستهلاكية”.

وعليه، ستعيد لجنة المال اعادة درس المشروعين للخروج بصيغة موحدة تناقشها في لجنة المال. ولكن النقاش في اللجنة أخذ منحى آخر، إذ رفض بعض النواب مناقشة مشروع القانون بحجة عدم جواز إحالات في ظل حكومة تصريف الأعمال، غير موقّعة من كل الوزراء، في غياب رئيس الجمهورية. في المقابل، اعتبر قسم آخر من النواب أن الاعتراض في غير محله وأن مناقشة مشروع القانون جائزة دستوريا.

في المقلب الآخر، رفعت الهيئات الاقتصادية الصوت، مطالبة بإقرار القانون سريعا، لكونه يعتبر ذا أهمية كبيرة وإستراتيجية بالنسبة الى المؤسسات الخاصة، مشيرة الى أن “إبقاء الأمور على حالها سيؤدي الى تكليفها زورا وبهتانا أموالا طائلة غير متوجبة أصلا بسبب التضخم”.

وحذرت الهيئات من أن “عدم دراسة مشروع القانون وإقراره سريعا سيكون له تبعات مدمرة على مؤسسات القطاع الخاص الشرعية وعلى العاملين فيها، علما أن هذه المؤسسات كان لها الفضل في صمود لبنان وإعادة الاعتبار الى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”.

وفيما طالبت النواب “أعضاء لجنة المال الذين نعول عليهم في عملية النهوض المالي والاقتصادي، بالإسراع في درسه وإقراره تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا، وتدعيما للقطاع الخاص الذي يشكل ركيزة صمود البلد ونهوضه مجددا”، أوضح كنعان لـ”النهار” أن القانون بحث في المجلس النيابي على مرحلتين في كل من لجنة المال والهيئة العامة، لكنه أهمل في نهاية جلسة الموازنة التشريعية فلم يصدر معها”.

وأكد أهميته “نظرا الى الضرر الفادح الذي قد يشكله إذا لم يقر، باعتبار انه يلزم المكلفين أرباحا وهمية غير محققة، بسبب الفروقات السلبية على الأصول الثابتة والناتجة من انهيار سعر الصرف ما لم يُعَد تخمينها. إلى ذلك، فإن هناك اقتراح قانون في الموضوع نفسه تقدم به الزميل نعمة أفرام احيل على لجنة المال ليتم درس الاثنين معا”. وقال: “مصلحة المواطن خصوصا في هذه الظروف، يجب ان تكون فوق كل اعتبار، وهذا القانون يؤمن مصلحة عامة ويمنع الضرر عن المؤسسات والاقتصاد عموما”.

وفي انتظار عقد جلسة للجنة المال يُرجح أن يدعو اليها كنعان الخميس المقبل، رأى رئيس الهيئات محمد شقير أن “القانون العتيد ينقذ القطاع الخاص الشرعي، ولكن في حال عدم إقراره فإن ذلك يعني أن ثمة جريمة ترتكب في حق الاقتصاد، وأن السلطات تنوي دق المسمار الاخير في نعش المؤسسات والشركات”. وإذ أكد أن الهيئات تواصلت مع النواب المعنيين الذين “وعدونا بإقراره”، قال: “إذا اكتشفنا أن ثمة من يعرقل، فلن نتوانى عن فضحه”.

 

مصدرالنهار - سلوى بعلبكي
المادة السابقةموجودات مصرف لبنان إلى ارتفاع… والسبب؟
المقالة القادمةلماذا نجحت شركات التأمين في تخطي الازمة حيث فشلت الهيئات الضامنة الاخرى ؟