لا تُجاري اللعبة السياسية محاولات القطاعات الاقتصادية تسيير عجلتها بعد كل انتكاسة، سيّما وأن المحاولات باتت مجهِدة جداً منذ 3 سنوات حتى اليوم، وتحديداً على مستوى القطاع السياحي الذي يُكرِّر عرض مأساته مع كل موسم. والحديث عن القطاع السياحي يجرُّ معه تكرار المؤشّرات السلبية والتعويل على تحسُّن الحركة في الأعياد وموسم الصيف والتزلّج شتاءً، حتى صَحَّ القول أن السياحة في لبنان أصبحت لأهل البيت، لأن المغتربين هم روّاد المناطق السياحية حالياً، ما خلا بعض الخروقات التي يقوم بها بعض العراقيين والأوروبيين بشكل رئيسي. وينتظر أهل القطاع السياحي إشارات خليجية تتناقص فُرَص إطلاقها مع المتغيِّرات السياسية الإقليمية والدولية، التي بدورها تزيد عزلة لبنان سياحياً وسياسياً. أما بعضُ التساهل الذي تبديه على نحو خاص، السعودية والإمارات تجاه لبنان، فلا يُعتَدُّ به، لأن ليس طريقاً بالاتجاهين.
حركة طيران بلا سيّاح
تنشط حركة الطيران في مطار بيروت في هذا الفترة من العام. وتدل عليها حركة حجوزات تذاكر السفر “التي بلغت نسبة ملاءتها حتى الآن 95 بالمئة، ومن المنتظر أن تصبح 100 بالمئة في شهر تموز”، وفق ما يؤكّده نقيب اصحاب مكاتب السفر والسياحة، جان عبود، في حديث لـ”المدن”.
هذه الحركة دفعت بعض شركات الطيران إلى “فتح رحلات إضافية لتغطية حجم الطلب المتزايد على الرحلات إلى لبنان”. لكن التساؤل الأساس بالنسبة إلى عبّود، يبقى عن حجم السيّاح على متن تلك الرحلات.
أقل من نصف ركّاب الرحلات الآتية إلى بيروت هم من السيّاح والخليجيين تحديداً. “ويبلغ عدد العرب والأجانب على متن تلك الرحلات نحو 30 بالمئة، ومن المنتظر أن ترتفع النسبة إلى نحو 40 بالمئة”.
المغترب اللبناني هو عماد تلك الرحلات وسيبقى كذلك إلى حين إصدار السعودية والإمارات قرارات مباشرة تدعو مواطنيها لزيارة لبنان، وهو ما يأمله عبّود نظراً لـ”تحسّن العلاقات السياسية في المنطقة”.
سياسة الترقيع
وَدَّعَ القطاع السياحي أيام العز في العام 2010، واستقبلَ منذ العام 2011 فصولاً من الانتكاسات كان عنوانها المقاطعة الخليجية للبنان. وتعمّقت الأزمة مع المؤشرات السلبية الداخلية التي انفجرت أخيراً منذ 3 سنوات وتكلّلت بالضربة القاضية بفعل تفجير مرفأ بيروت.
وبذلك، أصبح لبنان “على صفحة التحذيرات الدولية، لأن السفارات تحذّر رعاياها من الذهاب إلى لبنان، وأحياناً تحذّر شركات الطيران من العبور فوق لبنان، وهذا كلّه يؤثّر على الحركة السياحية”، وفق ما يشير إليه رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر في حديث لـ”المدن”.
ويستند الأشقر على الأرقام ليدلّ على واقع القطاع السياحي، فيقول أن نسبة الحجوزات في فنادق بيروت لا تتجاوز الـ65 بالمئة، وتصل خارج بيروت إلى 30 بالمئة في أحسن الأحوال. وترتفع الأرقام خلال نهاية الأسبوع إلى ما بين 65 و80 بالمئة”.
هذه الأرقام ليست جديدة، إذ سجّلها الموسم السياحي في الصيف الماضي. والتكرار مع انعدام الأفق الإيجابي، يجعل القطاع السياحي “يرقِّع الموسم” بالمغترب اللبناني بعد أن كان هذا المغترب “غير محسوب ضمن توقّعات المؤسسات السياحية”، ليس الأمر انتقاصاً من المغترب، بل لأنه لم يكن زبوناً مستهدفاً. فهو ابن البلد ويملك منزلاً ولا يرتاد الفنادق، وسياحته كاللبناني المقيم، لكن التوقعات كانت تتّجه نحو عدد الزوار الخليجيين والأجانب.
بالتوازي، لا يعلّق الأشقر آمالاً على السعودية والإمارات بفتح المجال أمام المواطنين لزيارة لبنان، حتى وإن رفعت الإمارات الحظر على دخول اللبنانيين إليها. فالخطوة الإيجابية تلك، يقابلها استمرار قرار حظر توجّه الإماراتيين إلى لبنان. والسعودية ليست بعيدة عن هذا المسار.
ولا يتوقَّع الأشقر تغييرات تُذكَر، لأن “لبنان لم يعد على الخريطة السياحية في المنطقة والعالم”. والأرقام التي كانت تسجّلها السياحية حتّى منتصف العام 2008، لم تعد موجودة. فنسبة الإشغال في بيروت كانت تصل إلى 80 بالمئة على مدار السنة، واليوم تسجّل 40 بالمئة في المواسم”. والأزمة الكبرى برأي الأشقر هي أننا “تأقلمنا مع هذا الواقع”.
تنشغل السعودية والإمارات بملفاتهما الإقليمية والدولية، ما يؤخِّر التفاتهما نحو لبنان لدعمه سياحياً، وهي الزاوية التي تعني أصحاب المؤسسات السياحية، بعيداً من ملفات السياسة، وذلك على عكس أهل السياسة الذين يريدون حسم السجال، كُلٌّ وفق مصالحه. ووسط هذا التناقض، لا ينتظر السائح العربي والأوروبي حسماً، بل يختار وجهة أقل صخباً في السياسة وأكثر هدوءاً في السياحة، وهما صفتان فقدَهما لبنان.