القطاع الصناعي يكابد… والحاجة أم الإبتكار

اليوم، يسعى الصناعيون إلى إعادة إحياء الصناعات الغذائية في المرتبة الأولى، صناعة مواد التنظيف والصابون، صناعة الأدوية والأمصال والأوكسجين وغيرها من المواد الطبية، إضافة إلى صناعة الألبسة والمجوهرات والأزياء التي كانت دوماً محط طلب العديد من الدول العربية وخاصة الخليجية منها. هذا ناهيك عن صناعة الأحذية كما الصناعات التدويرية كالزجاج والبلاستيك.

عن التحديات التي تواجه القطاع راهناً والآفاق الممكنة، كان لـ”نداء الوطن” حديث مع النائب ميشال ضاهر، مؤسس شركة “ضاهر فودز”، الذي أشار، بحسب تقديراته، الى أن الصناعة تمثل اليوم 20 إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني الذي يبلغ حوالى 25 مليار دولار، بعد أن كانت لا تتخطى نسبة تمثيلها الـ9% قبل الأزمة. وجاء هذا الارتفاع كنتيجة مباشرة لتراجع الدخل القومي. ومن العوامل التي أثرت على القطاع الصناعي، الدور الذي لعبه ارتفاع الفوائد المصرفية التي وصلت إلى 15% أحياناً علماً أنّ العائدات الاستثمارية للصناعة لا تزيد عن الـ10%، ما ساهم في تشجيع الرأسماليين على تجميد أموالهم بدلاً من استثمارها في مشاريع صناعية. فالفوائد المعروضة آنذاك كانت تدرّ عليهم أرباحاً أكبر وبوقت أقصر. ويضيف ضاهر أنّه، وبعد الانهيار المالي الذي حصل، تجمّدت أموال الكثيرين في المصارف وأوقفت البنوك التسليفات بالدولار الهادفة إلى استيراد المعدات الصناعية مما أدّى إلى توقفه بشكل شبه كامل: “كنا نستورد سنوياً 300 مليون دولار معدات صناعية لغرض الإنتاج، وحين ازدادت الحاجة إلى الصناعة المحلية كما إلى عملية الاستثمار الصناعي، لم يعد بقدرتنا الاستيراد رغم الحاجة. فالوقت جاء متأخراً وما كان باستطاعتنا القيام به قبلاً، لم نعد قادرين على تحقيقه اليوم”.

على الرغم من واقع القطاع المرير بأبعاده الجيوسياسية والاقتصادية، إلا أن صناعيين كثراً ما زالوا يجترحون من الضعف قوّة محاولين “الاستفادة” من الأزمات لمواجهة المخاطر. هنا يلفت مدير عام جمعية الصناعيين في لبنان، السيد طلال حجازي، إلى ظاهرة تطوير الكثير من خطوط الانتاج الغذائي داخل المعامل. فمن كان يصنّع الكاتشاب، مثلاً، أصبح اليوم يصنّع المايونيز والخردل أيضاً. ومن كان ينتج الألبان والأجبان أضاف إلى إنتاجه أنواع أجبان أخرى كالموزاريلا. ونتيجة لهذا التطوير المستجدّ، بتنا نرى 80% من المواد الغذائية المحلية في الأسواق اللبنانية مقابل 20% من المواد المستوردة، في حين كان الأمر معكوساً قبل سنتين فقط. وأشار حجازي إلى صناعات أخرى في هذا السياق. فمعامل الصابون، على سبيل المثال، باتت تصنّع مساحيق الغسيل وأدوية التنظيف، في حين طوّرت معامل الأحذية صناعتها في الفترة الأخيرة حيث باشرت بتصنيع الأحذية الرياضية إضافة إلى تلك الرسمية التي كانت تنتجها قبلاً.

تشير مصادر مقرّبة من وزارة الصناعة إلى أنّ العمل جار لإبقاء القطاع الصناعي منافساً رغم الصعوبات التي تعيق تقدّمه. وتتلخص الأخيرة بكلفة الإنتاج العالية إن من حيث أسعار الأراضي – كون البلد صغير الحجم ومساحاته مستثمرة بمعظمها – أو من حيث كلفة الطاقة – إذ هي تشكل أحياناً 70% من كلفة الإنتاج – إضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية في الآونة الأخيرة بين سوريا والعراق والأردن، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليف تصدير الإنتاج وفرض رسوم إضافية على الشاحنات اللبنانية، إلى جانب الأزمة الخليجية وتبعاتها المستمرة.

أمّا عن دور الوزارة الحالية في دعم القطاع الصناعي ومعالجة مشاكله، فقد أكّدت المصادر جدّية السعي لأن تضاهي الصناعة اللبنانية بجودتها نوعية الصناعات الأجنبية. فالوزارة، من خلال معهد البحوث الصناعية، اعتمدت أكثر من 15 مختبراً من أبرز المختبرات في لبنان بهدف تحقيق الرقابة الدائمة على منتجات المصانع لتراعي معايير مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية – “LIBNOR”. وعن أولويات الوزارة الحالية، تلخصها المصادر بالعمل على تصدير المنتج اللبناني، مراقبة المواصفات والحفاظ على جودة الإنتاج، إقفال المصانع غير المرخصة وزيادة منسوب الإنتاج. ليس هناك من يعتقد أن الحلول والمبادرات أعلاه، على أهميتها، هي بمثابة عصا سحرية لتنشيط القطاع الصناعي تماماً. فالمطبات كثيرة والمقاربة الرسمية يجب أن تكون شاملة ومستدامة من ضمن رؤية طويلة الأمد لمد الصناعيين بالدعم المطلوب في موازاة الجهود المبذولة من قبلهم، والتي تبقى فردية بمعظمها.

مصدرنداء الوطن - كارين عبد النور
المادة السابقةالحد الأدنى “العصيّ” على التغيير
المقالة القادمة“الفريش دولار” يعيد مشهد الطوابير أمام المصارف… ولو مع “هيركات”؟