سُحقت مداخيل موظفي القطاع العام ولم يتبقَّ لهم من قيمتها سوى 5% فيما السلطة تتفرج على التحلل العام والشامل. الموظفون يضربون حتى تحقيق مطالبهم، وفي ما سبق كانوا لا يحضرون الى مراكز عملهم فتتعطل مصالح المواطنين، وحتى ان الدوائر نفسها باتت تفتقد الى أبسط مقومات الإستمرار. الوضع خطير جدا لأنّ الدولة ستسقط مع سقوط القطاع العام، الذي يُعتبر محرّكها بكل مرافقها واقتصادها الوطني. وهذا ما حذّر منه رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير مطلقا الصرخة: “ارفعوا الظلم وانصفوا موظفي الدولة وعائلاتهم”. فهل من يسمع؟ وأيّة حلول تطرح لمعالجة الأزمة في هذه المرحلة الصعبة وهل ترضي الموظفين؟.
بداية تقول مصادر مطّلعة على الملف أن إضراب الموظّفين في القطاع العام جاء قسريا مفروضا لأنه لا يمكن للموظف ان يستمر في هذا الواقع المرير لجهة الراتب وبدل النقل وتأمين المقوّمات الأساسية الأولى البدائية للحياة الكريمة، فهل يعقل ان الموظف أصبح يتقاضى أقلّ من 50 دولارا علما ان اعلى راتب للموظفين وحتى للمتقاعدين وللعسكريين لا يتجاوز 150 دولارا؟! بعد ان كانت رواتبهم من 700 الى 1000 دولار؟ وتسأل المصادر عبر “النشرة”، “كيف يمكن للموظف ان يواجه عائلته أولا وأطفاله، إذ ليس باستطاعته ان يؤمّن لهم لقمة العيش. وكيف يمكن للدولة ان تقول للموظفين استمروا على هذه الحالة؟.
وتوضح المصادر ان الإضراب مستمر، والعروض التي قدمت للأسف قليلة جدا. وكلّها وعود بوعود دون اي ترجمة حقيقية، وهنا يمكن ان نقول أنّ عناوين الإضراب للقطاع العام محدّدة:
1-تصحيح الأجور على القاعدة التي اعتمدها حديثا مصرف لبنان مع القضاة، اي ان يصرف الراتب على سعر 1500 ليرة ثم يضرب 8000.
2-هم يطالبون بضمانات حيال التقديمات الصحية حيث أن كلفة المعاينة الطبيّة أصبحت تتجاوز المليون و200 الف ليرة، ومشكلة الصناديق الضامنة وتعاونية موظفي الدولة باتت على المحكّ بالرغم من رفع موازناتها لـ4 اضعاف، لكنها لا تزال بحاجة الى رفدها بأموال عشرات الأضعاف للقيام بمهامها وينطبق الامر كذلك على الصناديق الضامنة للهيئات الاخرى.
3-بحسب المصادر ذاتها فإن الأزمة انسحبت على بدل النقل بسبب الارتفاع الخيالي والجنوني لأسعار المحروقات وأصبح من الضروري توفيره للموظفين لمتابعة العمل وهو مشروط بالمسافة. وبعدها يأتي الإستقرار الوظيفي بمعنى أن يشعر الموظف ان مكانته محترمة، بعيدا عن الهدر والمحسوبيات.
أما عن الاقتراحات المعروضة كحل يقول النقابي محمد قاسم عبر “النشرة” انها تتمثل برفع بدل النقل من 65 الى 95 الف ليرة -القرار بقي شفهيا بسبب عدم رصد الاعتمادات له- وان تعطى المساعدة الاجتماعية عن شهر بدل 15 يومًا، الا ان هذه المساعدة الإجتماعية التي يسمّيها قاسم “رشوة” هي مطروحة في الموازنة وليس باستطاعة الدولة ان تنفذها حاليا.
ويلفت قاسم ان الاتحاد العمالي العام ولأول مرة في تاريخ لبنان بناء على اقتراح الهيئات الإقتصادية طلب من وزير العمل مناقشة رفع الحد الأدنى للأجور وبدل النقل. خصوصا ان الحد الادنى للأجور رفع في القطاع الخاص بين 380 الى 400% واللافت أنّ هذا الامر صدر عن الهيئات التي كانت معترضة على سلسلة الرتب والرواتب سنة 2017 وهي تطالب اليوم بتصحيح الأجور لأنها غير مناسبة، ويضيف قاسم أن الدولة اعترفت بـ4 اضعاف للحد الأدنى للقطاع الخاص. وتساءل كيف سيواجه الموظفون والعسكريون من كافة الاسلاك ويستمروا اذا لم ترفع رواتبهم بما يوازي نسبة التضخّم التي وصلت الى 825%، مع العلم ان هذه النسبة اخذها المصرف المركزي بعين الاعتبار، لذلك برأي قاسم ان التصحيح الذي جرى لرواتب القضاة يجب ان ينسحب على كافة العاملين في القطاع العام لتحقيق العدالة. واستطرد بالقول “ان الدولة طلبت حضور الموظفين الى مراكز عملهم مرّتين في الاسبوع، وهذا اعتراف بقصور الوضع المالي؛ علما ان سبب الازمة ليس الموظفين لأن باب الافناق الأقل هو لهم”.
وخلص قاسم الى ان الدولة اوصلتنا الى هذا الواقع ولم يبقَ لنا الا الناس الشرفاء من نظيفي الكف لذا يجب ان تحل قضيّة موظفي هذا القطاع العام باعطاء حد أدنى للأجور مساوٍ لنسبة التضخم. ورفع بدل النقل بحسب المسافة ومنح التأمينات الصحية، وأ‘رب عن دعمه للاستمرار بالاضراب حتى نيل المطالب.
ودعا قاسم الاتحاد العمالي العام للإهتمام بشؤون العمال والمستخدمين التابعين له لا ان يتنطّح ويحاول ان يقول انه يفاوض عن موظفي القطاع العام، لانه لولا تخاذله طيلة هذه الفترة لما كنا وصلنا الى هذه الازمة، اي لو كان الاتحاد المذكور والطبقة العاملة كما كان في تاريخه يتصرف كحامٍ للعمّال والمستخدمين والمياومين، متّهمًا إياه “للأسف بعدم لعب هذا الدور منذ فترة طويلة، حيث من المفترض ان تكون كل الهيئات النقابية مسؤولة عن حماية المواطن والوطن”.