يرى خبراء اقتصاديون أن استمرار الحكومة السورية في وضع القيود على سوق دمشق للأوراق والأسواق المالية (البورصة)، يخلق أزمة ثقة بالشبكة المالية والمصرفية، ويجعل الفاعلين الاقتصاديين يقتربون أكثر من القنوات المالية غير الرسمية، بينما يمكن اعتبار إعادة هيكلة السوق جزءاً من خطة العهد الجديد لوضع الرؤية المستقاة من نظريات الاقتصاد الإسلامي، قيد التطبيق.
وقالت صحيفة الحرية الحكومية (تشرين سابقاً)، إن الحكومة السورية تعمل على إعادة صياغة سوق دمشق للأوراق والأسواق المالية، حيث تقوم الجهة المعنية بتدقيق الشركات وحساباتها التي كانت تموّل النظام البائد، ما أدى إلى تجميد الكتلة النقدية المتداولة في سوق دمشق والبالغة 463 مليار ليرة، والتي تعود لحوالي 70 ألف مستثمر.
وأضافت أن القيمة المذكورة للتداولات، هي قيمة رأسمال متحرك ينتج عنه عمولات لشركات الوساطة والصرافة، بينما تفوق قيمة الشركات المتداولة 7 تريليونات ليرة، وجميع هذه الأموال مجمدة، مع العلم أن كتلة الأموال المتداولة هي أموال خاصة لمستثمرين وليست أموال شركات.
رؤية اقتصادية جديدة
ويقرأ الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، خطة إعادة الهيكلة باعتبارها جزءاً هاما لرؤية العهد الجديد المتمثلة بتطبيق المنظور الإسلامي حول الاقتصاد، عازياً إعادة صياغة السوق، إلى البدء بوضع هذه الرؤية قيد التنفيذ.
وبناء عليه، يرجح الكريم في حديث لـ”المدن”، صدور قوانين جديدة ناظمة لبورصة دمشق، علماً أنها سوق صغيرة ولا تزال العقوبات الغربية تقف حاجزاً أمام تطويرها، موضحاً أن “الخطة الجديدة تتمثل في إعادة تعيين كوادر جديدة للسوق لصياغتها بما يتلاءم مع الشريعة الإسلامية”.
وينتقد الكريم قيام الحكومة بتجميد الكتلة النقدية، على اعتبار أنه “لا يحق لها تجميد أموال المتداولين”، عازياً هذه الخطوة إلى حاجة الدولة إلى السيولة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، بينما كان يتوجب على الحكومة الإعلان صراحة عن استدانتها للكتلة المالية والتكفل بتقديم التعويضات للمتداولين نتيجة الصرر الكبير الذي تم إلحاقه بهم.
ويفسّر عدم تدخل شركات الوساطة ومطالبتها بحقوق المستثمرين خوفاً من ضياع الثقة بسوق دمشق، بتوجسها من السلطة الجديدة، حيث لا يزال الخوف من الآخر يسود الاقتصاد السوري.
وفيما تسود الضبابية حول آلية وتوقيت إعادة الأموال المجمدة إلى أصحابها، يرى الكريم أن هواجس المتداولين “محقة، نظراً لما جرى مع المودعين في منصة تمويل المستوردات التي تم تجميدها دون الإفصاح عن آليات محددة للإفراج عنها، حيث لا تزال الفوضى هي السائدة في السياسة النقدية الحالية”.
إجراء ضروري لكنه بطيء
من جهته، يعتبر مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار، أن قرار تجميد الشركات في سوق دمشق، كان “ضرورياً، كونه يسمح للحكومة بتقييم الأصول المالية لأمراء الحرب المرتبطين بالنظام المخلوع والمعاقبين منهم خاصة”. ويضيف لـ”المدن”، أنه في حال لم يتم هذا الإجراء، فسوف يسهل تسرب هذه الأصول ونقل ملكياتها بشكل كامل أو بشكل جزئي على مراحل.
لكن في المقابل، يلفت شعار إلى وجود مشكلة تكمن في بطء إجراءات التقييم والمراقبة، بحيث لا يمكن للسوق تحمل أعباء هذا التأخير، نظراً للنتائج السلبية المترتبة عن عملية تجميد الكتلة المالية.
وفي السياق، يوضح شعار أن “عدم وجود منهجية ووصول كبير للبيانات والمعلومات المتعلقة بطبقة أمراء الحرب المرتبطة بالنظام السابق، يفسر إقدام الحكومة على إجراءات التجميد والتقييم التي تسير ببطء شديد”، مؤكداً أنه من الضروري رفع القيود المفروضة على سوق دمشق، على الرغم من محدودية أهمية هذه السوق للاقتصاد السوري.
ويحذر من أنه “في حال لم تُرفع القيود، فإن الآثار السلبية المترتبة عن هذا الإجراء ستفوق الآثار الإيجابية الناجمة عن استعادة الأصول”، مؤكداً أن من أهم هذه التداعيات السلبية غياب ثقة المستثمرين والمودعين بسوق دمشق وبكامل القطاع المصرفي والمالي المستمر بالتدهور، ورفضهم استئناف التعامل مع الشبكة المصرفية حتى بعد رفع القيود، خوفاً من إجراءات مستقبلية مشابهة، وبالتالي فإن هذه القيود تبعد الفاعلين الاقتصاديين عن القنوات المالية الرسمية وتقربهم من القنوات غير الرسمية، وهو ما يعني مستويات أعلى من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وصعوبات بالغة تخص التحصيل الضريبي.