يشرح الدكتور باسكال فؤاد ضاهر، من الناحية القانونية، قرار الحكومة الصادر بتاريخ 18-4-2023 والقاضي بـ «طلب مجلس الوزراء من المصرف المركزي، اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة، لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً او تحويلاً)، وفقاً للتعاميم ذات الصلة وإلّا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم، وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى، أو على اي إلتزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه او مصدره، والإستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة ( Fresh)».
يرى ضاهر أن «هذا القرار الصادر عن الحكومة اللبنانية، يشوبه عدد هائل من المخالفات التي تحجب عنه صفته كقرار اداري، وتجعله غريباً عن كتلة المشروعية ومعيوب بالشكل والأساس، وقابل للطعن بالإبطال امام مجلس شورى الدولة». ويضيف:»بناء على ما تقدم يمكن اقتضاب بيان المخالفات التي تعتريه بالآتي:
إغتصاب صلاحيات السلطة التشريعية
أولا: يضرب هذا القرار مبدأ فصل السلطات، ويعتبر من قبيل القرارت الرامية إلى اغتصاب صلاحيات السلطة التشريعية، اذ يعتدي هذا القرار على صلاحيات السلطة التشريعية، وبذلك فإنه يعتبر من عداد القرارات عديمة الوجود inexistence) juridique)، والتي تعتبر «عملاً إدارياً صادراً بجلاء عن سلطة ادارية غير صالحة، ويعتبر كأنه لم يكن ويمكن الطعن فيه في أي وقت (مجلس شورى الدولة، قرار رقم 568 تاريخ 27/5/1999)».
المساس باستقلالية «المركزي»ثانياً: يشكل تعدياً واضحاً على استقلالية المصرف المركزي، لا سيما وأن هذا الاخير يتمتع بموجب أحكام قانون النقد والتسليف، بإستقلالية كيانية ووظيفية وتسلسلية. وهذه الاستقلالية ليست محمية فقط بالنص بل بموجب عدد من الأبحاث الدولية، كالدراسة المعدة من قبل الإسكوا تحت عنوان «استقلالية المصارف المركزية وتأثيرها على التضخّم في البلدان الأعضاء في الإسكوا» لعام 2011. بالاضافة الى عدد من الابحاث والدراسات كما والبيانات الصادرة عن الامم المتحدة، لا سيما منها الصادر عن ممثلة الأمم المتحدة في العراق بتاريخ (7/4 /2021)، والذي جاء فيه: «ان الامم المتحدة تدعم استقلالية البنك المركزي العراقي، أسوة ببقية البنوك المركزية العالمية، وأهميته خلال الفترة الحالية والمستقبلية».
التعدي على السلطة القضائية
ثالثاً: يشكل تعدياً على قرارات السلطة القضائية، لا سيما على قرار مجلس شورى الدولة الرقم 213 -2020 /2021، الذي اوقف تنفيذ التعميم الرقم 151 الصادر عن مصرف لبنان، بسبب انتفاء اختصاصه ولأنه يشكل تعدياً واضحاً على حقوق المودعين. وبالتالي فان هذا الطلب المساق في القرار لمصرف لبنان، يعتبر غير ذي جدوى او مفعول وموجه إلى سلطة غير صالحة وفاقدة للمُكنة.
تشريع المخالفات
رابعاً: يشرع مخالفات «المركزي» ويوليه وهو (من الغير)، سلطة لا يحوزها قانوناً ويدفعه إلى إصدار تعميم، يناقض بموجبها العقود الموقعة مع المودعين، وان يعدل بمضمونها لا سيما منها تشريع التسديد البدلي.
بما ان إطار العلاقة التعاقدية بين المودع والمصرف محصورة بينهما، وبالتالي فإن اي طرف آخر يعتبر من الغير، ولا يجوز له قانوناً التدخل في مسار العقد الأساسي، أو تعديل احكامه او التقليل من ضماناته، لا سيما وانه يُستنبط من أحكام المادة /221/ من قانون الموجبات والعقود، مبدأٌ قانونيٌ عامٌ وهو»العقد شريعة المتعاقدين»، وهو ما يعرف باللاتينية Pacta Sunt Servanda. ومعنى ذلك، أنّ العقد الموقّع يُعتبر القانون الخاص الأسمى بين أطرافه الواجب التقيّد بمنطوقه، طالما أنّه غير مخالف لأحكام النظام العام، ويوجب على فريقيه إلتزام عدم الحياد عن مندرجاته، أو الاحتيال على آلية تنفيذه، لأن القوة والمكانة التي منحه إياها القانون جعلته يعلو على أيّ نص آخر، سنداً للمبدأ القانوني «النص الخاص يقدّم في التطبيق على النص العام».
وعلى ما تقدم، لا يسع اي طرف في هذه العلاقة التحجج بالغير لتعديل العقد، وفي حال حصل يعتبر مسؤولاً امام الطرف المعاقد له، وهذا عينه يسري على اي شخص خارج عن العلاقة التعاقدية الذي يمتنع عليه ان يخرق او ينتهك او ان يعدل بمندرجات أحكام عقد ليس طرفاً فيه.
إلزامية السداد بالدولار
هذا وبما أنّ الفقرة الأولى من أحكام المادة /299/ من قانون الموجبات والعقود، قد وضعت مساراً حكمياً في تنفيذ العقود يقتضي بموجبه إيفاء الشيء المستحق نفسه، وشدّدت على أنه لا يُجبر الدائن على قبول غير هذا الشيء المستحق حتى وإن كان أعلى قيمة. أي أنّ عقد الحساب المدرج بالعملة الأجنبية لدى المصرف يوجب عليه التزام التسديد من المودع بالعملة عينها، وذلك حتى في الحالة التي يكون فيها هذا الإيفاء المقترح من المصرف (المدين) أعلى قيمة من المتوجب لمصلحة المودع (الدائن). وما يثبت أنّ الودائع لا تُردّ إلا بالدولار الأميركي أي بعملتها، هي تصاريح الحاكم التي أفاد بموجبها أنّ «المصرف المركزي قد سدّد للمصارف مال المودعين، وحدّد القيمة بالدولار الأميركي وذلك بالرغم من أنها قد سددتها بالليرة اللبنانية»، وهذا ما يثبت أنّ القيد المحاسبي بالعملة الأجنبية لا يسدّده سوى عملته، وبهذا فإن القرار موضوع التعليق المتجه إلى سلب الوديعة وقضمها، من خلال تشريعه مخالفات التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي، يمسي متناقضاً مع كتلة المشروعية في الجمهورية اللبنانية مما يجعله باطلاً بطلاناً مطلقاً.
أخذ غير مشروع لحقوق الغير
خامساً: يمول الفساد ويغطي المخالفات التي سمحت للمصارف بتسديد الودائع ذات العملة الأجنبية بالليرة اللبنانية، ويشكل أخذاً غير مشروع لحقوق الغير ويشرع الهيركات ويحجب المسؤولية بصورة غير قانونية.
بما أنّ التعاميم التي صدرت عن مصرف لبنان، تتناقض بشكل كلّي مع عددٍ من المبادئ ذات القيمة الدستورية أهمّها مبدأ المساواة، ولأنّه لا يحقّ لهم إصدار نصوص ذات قيمة تشريعية ومعدّلة للنصوص القائمة، وبما أنّ قضم الوديعة لصالح تمويل الفساد المُسبب للعجز، أمر لا يستقيم وغير جائز سنداً للقوانين الناظمة لأنّ المصرف ملزم بأداء الوديعة كاملة في تاريخ إستحقاقها، الأمر الذي يجعل من قرار الحكومة تعدياً واضحاً على الحقوق الخاصة، ويرمي إلى تمويل الفساد من جيوب المودعين، مما يجعله واقعاً في غير موقعه القانوني السليم، لا سيما وأن التعاميم التي صدرت عن مصرف لبنان قد حجبت عن المودع حقه بتسلم وديعته بعملتها، وألزمته بقبول التسديد البدلي وبهيركات ثقيل دون سند قانوني، بغية تمويل الفساد رغماً عنه وإطفاء العجز الذي لا يد له فيه، وبذلك يمكن إعتبار ان قرار الحكومة قد حاول أن يسبغ المشروعية المفقودة، لتمويل الفساد وجميع ميزانيات القطاع المصرفي، من جيب المودع بموجب هندسة مالية لا ترتقي إلاّ إلى مصاف»قطاع الطرق»، لا سيما وأن هذا المودع وأمام ما يعانيه الإقتصاد من انهيار وتقهقر، بات ملزماً بالسحب البدلي لتمكينه من العيش، الامر الذي يناقض كل المواثيق الدولية ذات الصلة، ويساهم بإخفاء واجبات التقيد بالحيطة والحذر obligation de diligence في عمل المصرف المركزي، سنداً لقرار محكمة العدل الأوروبية تاريخ: 13/9/2022، القاضي بـ:
Pour autant que ladite banque centrale ne soit tenue responsable que lorsqu’elle même ou les personnes qu’elle a habilitées à agir en son nom ont agi en méconnaissance grave de leur obligation de diligence.
Arrêt de la Cour dans l’affaire C-45/21 | Banka Slovenije – Luxembourg, le 13 septembre 2022
لهذه الأسباب ولسواها يمسي قرار الحكومة موضوع التعليق، باطلاً بفقدانه الأساس القانوني لأنه يتجه برمته إلى تعزيز حكم الفساد في الجمهورية اللبنانية.